مجلة البيان

ثقافة الحوار

 
الحوار يعني إرسال واستقبال، وهو أداة التفاهم بين البشر، بل هو ما يميزهم عن باقي الكائنات. وفي عالمنا تتميز المجتمعات المتحضرة بشيوع ثقافة الح􀀾􀀾وار، على خلاف
المجتمعات المتخلفة، التي تستغني عن الحوار باللجوء إلى الصراع المادي- المتمثل بالعنف وسفك الدماء.
لقد خلقنا الباري عز وجل مختلفين، فكل إنسان يشكل عالماً قائماً بذاته.. حتى الأشقاء لا يتماثلون في صفاتهم، بل حتى التوائم لا تتطابق في صفاتها.
وتتشكل شخصية الفرد إضافة إلى ما يحمل من صفات وراثية، إلى ما يكتسبه من البيئة التي يعيش فيها، ومن تجارب الحياة وما يعرض له من أحداث.
ونتيجة هذا الاختلاف بين الأفراد من المنطقي أن تختلف الإرادات ، وحتماً سينشأ عن ذلك الصراع. ويأتي هنا دور الحوار.. للتقريب بين البشر والكشف عما خفي من جوانب.. وإيضاح الغموض لتخفيف حدة الصراع.. ولولا الحوار لظل كل فرد متمسكاً برأيه وموقفه الذي قد يكون وفقاً لمعلومات خاطئة، أو معطيات غير صحيحة... ووظيفة الحوار كشف القناعات وإضاءة الجوانب المخفية من هذه القناعات.
ولكن للأسف الشديد نحن قوم لا نؤمن ب الحوار بدليل ما توصلت إليه بعض الاستبيانات، من أن أكثرنا لا ينصت إلى الآخر أثناء الحديث، بل إننا لا نعطي الآخر الفرصة لإتمام حديثه، وكل ما يهمنا أن نقول ما نفكر فيه، دون أن ننصت للآخر،
ونتأمل كلامه لكي نفهم مضمونه، بل همنا الوحيد أن نتكلم ونتكلم، وهذا ما يميز مجالسنا، حيث الجميع يتكلم، وقليل منا من ينصت إلى هذا الكلام.
لذا نجد أن أي مشكلة لدينا سرعان ما تكبر، ويكبر الصراع بين الأطراف المتنازعة، ويصل إلى العنف وسفك الدماء، مع إمكانية تلافي ذلك بشيء من الحوار.. الذي قد يكشف سوء الفهم نتيجة معلومات ناقصة أو محرفة سببت لبساً لدى أحد الأطراف
وأحجبت الصراع.
علينا أن نربي أبناءنا على ثقافة الحوار، التي تبدأ من أدب الحديث، الذي يتمثل بحسن الإنصات إلى الآخر أثناء حديثه، وعدم الكلام حتى يتم كلامه، واحترام الرأي الآخر حتى وإن اختلفنا معه، لأن الاختلاف من طبيعة الأشياء، ولكن حتماً بالحوار
سوف نتلافى تحويل هذا الاختلاف إلى خلاف وصراع يأتي على الأخضر واليابس ويسبب المآسي لأمة منكوبة.