تعتبر ليلى العثمان النموذج الأمثل في مجال الإبداع السردي الكويتي من خلال التفاعل مع قضايا المرأة أينما كانت، فهي تعبر بصدق عن معاناة المرأة، تستذكر همومها في كل زمان ومكان، ومدى علاقاتها بالرجل بجرأة ومكاشفة واضحة.
في سردياتها تقدم عالم الرجل كما تراه الأنثى بعينها، وفي سبيل ذلك تعبر فيما تراه مناسباً في مجتمعها حول الرجال والنساء والأحداث والقضايا والهموم الخاصة والعامة.
والمرأة بالذات تشغل مساحة واسعة في سرديات ليلى العثمان بدءاً من إحساسها بالظلم والقهر والمعاناة في مجتمع ما قبل النفط ثم تمردها نتيجة طفرة التطور السائدة، حيث عالجت معاناة المرأة الحبيبة والزوجة والأم، كما عالجت خصوصيات المرأة وكشف أسرارها في الحب والحرية والزواج والطلاق والوجد والشوق والخيانة والحرمان والفراق والشعور بالغربة.
صورت هذه الأحاسيس بجرأة وصراحة طاغية ومكاشفة واضحة وهي تابوهات بقيت دائمة رغم كل التحولات والتطورات الاجتماعية التي تشهدها منطقتنا أيضاً صورت الواقع المحلي من خلال المشاعر والرموز التي تتشابك بها رغبات وآلام المرأة داخل الإبداع السردي ، عالجتها بأفكار جديدة ممتزجة بالتراث الشعبي الكويتي والتراث الإنساني، لاسيما سردياتها عن البحر ومعاناة النفس البشرية وقضايا الناس من خلال الخصائص الفنية والتقنية التي تجعل للرواية استقلاليتها وتفردها "وقد عرف العالم الرواية بوصفها نوعاً مكتوباً في نمط محدد، خطط له المبدع، وتعتمد أنه يجيء بهذه الصورة وهذا الشكل، من هنا يظهر وعي الكاتب بما هو مقدم عليه، وإدراكه لأهمية الشكل الذي يتلاءم مع ما ينبغي تصويره([1]).
إن السرد عند ليلى العثمان يرتبط بعصرها وبيئتها ومجتمعها وذكريات طفولتها وتفاصيل الحرمان والفرح والحزن الإنساني.
ويعتبر الجزء الراسخ والفاعل من المسيرة السردية في دولة الكويت.
ولعل الانطباع الأول عن روايتها الأولى "المرأة والقطة"([2]). يوضح لنا أنها نابعة من هموم الحياة، ومن القهر الاجتماعي بأشكاله المختلفة، من خلال حياة عائلة صغيرة، بها مشكلات متشابكة، ذات أبعاد نفسية تدور حول العجز والشك والقتل والخوف والشر والتسلط الذي تتصف به العمة.
في هذه الرواية تقدم ليلى العثمان "شخصية ذكورية" ومع هذا تنتصر للمرأة كقيم وسلوكيات طيبة فهي ترفض مشاعر المرأة عندما تتسلط وتعزز مشاعر المودة والتقارب وهذا يعني أنالمرأة في إبداعها تنظر نظرة موضوعية ذات رسالة إنسانية، دون انتصار لجنسها، بل الانتصار لقيم عليا، فالرواية إذا كتبتها أنثى فلا يعني هذا المبالغة في الخوف في العالم النسوي ويتجاهل العالم الذكوري، بل التعبير عن الحياة التي يعيشونها معاً"([3]).
وبذلك تكون الكتابة النسائية تعبيراً مباشراً عن الحياة، وإن كانت لديها القدرة على الغوص وتحليل الشخصية، شخصية المرأة.
إن السرد في رواية "المرأة والقطة" يأتي على لسان "سالم" بطل الرواية، ويأتي من نهاية الأحداث وليس من بدايتها.
"ها هو ذا سالم البطل في زنزانته، مدان بقتل زوجته حصة وحانق على عمته الشرسة([4]).
أما التشويق يأتي من البداية، المحامي يأتي لسالم في سجنه ويسأله عن سبب قتله لزوجته حصة، فيجد سالماً رافضاً، ومؤكداً على رغبته في قتل عمته التي قتلت زوجته.
ومن خلال قراءة الرواية نجد القارئ يتشوق لمعرفة سبب: قتل "حصة" والانتقام من "العمة" التي قتلت قطة سالم "دانة".
إن شخصية العمة، الشخصية المتسلطة على الجميع الصغير والكبير، تعيش الوحدة القاتلة لذا قست على أخيها وعلى ابنه سالم وقتلت زوجته حصة، كما قتلت قطة سالم (دانة) التي كان متعلقاً بها.
العتبات لرواية المرأة والقطة: يمثل مفهوم عتبات النص PARATEXT مدخلاً مختلفاً لقراءة النص السردي، لأنه يأخذ في حسابه جوانب أخرى للنص تبدأ من الغلاف ثم العنوان، وتمر بالإهداءات والحواشي.
والعتبات تعني: "مجموع النصوص التي تحيط بمتن الكتاب من حواشٍ وهوامش وعناوين رئيسية وفرعية وفهارس ومقدمات وخاتمات وغيرها من البيانات التي تشكل في ذات الوقت نظاماً إشارياً ومعرفياً لا يقل أهمية عن المتن، الذي يحيط به، بل إنه يلعب دوراً مهماً في نوعية القراءة وتوجيهها([5]).
إن غلاف رواية المرأة والقطة غلافاً جاذباً، جاء على شكل لونين أصفر وأخضر وبينهما خط أسود مرسوم عليه قطة سوداء مكتوب في اللون الأصفر، (المرأة والقطة) في اللون الأخضر، المرأة تشمل العمة بشراستها، أما القطة فهي الدالة على الدعة والرقة.
سالم متعلق بقطته (دانة) التي قتلتها عمته الشرسة التي تآمرت على أمه وقتلت زوجته حصة. وقد خلت الرواية من الإهداء.
في الرواية الثانية "وسمية تخرج من البحر" 1986 لليلى العثمان([6]). نرى البحر بطلاً رئيسياً في السرد والافتتاحية، في الرواية افتتاحية مكانية من خلال الحوار مع البحر الممتد، تقول: البحر أمامه مجهول يمتد، ويتراقص موجه، ويتطاير زبده حين تثور موجة اهتزاز النسمات المشتدة بين حين وآخر".
في هذه الرواية "وسمية تخرج من البحر" تتناول ليلى العثمان موضوع التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، من خلال قصة حب عنيف وعلاقة بريئة نشأت بين وسمية ابنة التاجر الكبير وعبد الله ابن (مريوم) الدلالة التي تحترف تجارة اللف على البيوت والبيع للنساء في منازلهن.
والبحر هو الجامع بين الحبيبين وهو المفرق عندما يخطف بأمواجه وسمية الإنسانة التي أحبت وعانت وغرقت، وبقيت جزءاً من خيال عبد الله يعيد حبها وسيرتها في قلبه بحوار من طرف واحد، الرواية تدور حول الصراع مع التقاليد، والتمسك بمفهوم الطبقات الاجتماعية، والتباهي بالأنساب والثروة، كل ذلك توضحه الأحداث في كلا الروايتين من خلال ارتباطها بعقدة وحل، وهذا يعني أن لها بداية ووسط ونهاية.
"إن السرد الروائي هو خلاصة العناصر الفنية الأساسية: وهو الحدث والشخصية الخلفية الزمانية والمكانية بالوسائل السردية التي نهضت بمهمة نسجها وصياغتها"([7]).
رواية "وسمية تخرج من البحر" تعتمد على تقنية الاسترجاع العاطفي من خلال صور التحسر على الماضي البائد، وعلى وسمية الحبيبة المفقودة، وإدانة الفروق الطبقية والاجتماعية التي أبعدت وسمية عن حبيبها عبد الله ابن مريوم الدلالة.
وقد كتبت الرواية بلغة شعرية مكتنزة من خلال جمال الصور المعبرة والمنتقلة من الحاضر إلى الذكرى، في صور شعرية ذات دلالات نفسية.
(ها هو البحر في حضن الليل طفل، أخذت يدانا تداعبان الرمل، والرمل ينزف من بين أصابعنا ويأتي غيره) ([8]).
وسمية تخرج من البحر، عنوان الرواية فيه دلالة على ما يمكن أن تختزنه الرواية من أحداث، أما غلاف الرواية فهو لوحة تشكيلية تشير إلى فتاة كويتية تلبس الرداء النسائي التقليدي وتغطي رأسها بطرحة مطرزة وتقف وسط البحر والأمواج حولها، فكما تخرج اللؤلؤة من المحار تخرج وسمية من البحر.
* * *
رواية المحاكمة - ليلى العثمان 2000م([9]).
تعتبر رواية المحاكمة من روايات السيرة الذاتية، حيث امتزجت الرواية بسيرة الواقع حين قُدمت الساردة ليلى العثمان إلى المحاكمة لأنها اتُهمت بالتعدي على الآداب العامة، وتم التحقيق معها حول اتهام باطل من قبل التيارات الدينية لأسباب دينية أخلاقية، الكاتبة سجلت هذه الأحداث على شكل سيرة ذاتية نابعة من سيرة واقع المحاكمة التي بدأت من عام 96 إلى عام 2000م على شكل سيرة روائية ذاتية.
"لقد صارت السيرة الذاتية على يد الروائيين شكلاً روائياً بحتاً يخرج بهم من موضوع عام ليدخل بهم موضوعاً خاصاً"([10]).
رواية العصعص - ليلى العثمان 2002م:
تعتمد هذه الرواية على المونولوج الداخلي عند البطل معيوف زوج سعاد زوجته الثانية التي كرست نفسها لتربية أولادها جاسم ووضحة وسالم.
الزوجة سعاد لديها رغبة في إنجاب طفل ثالث بعدما كبرت طفلتها وضحة وأصبح عمرها ثلاث سنوات.
في الرواية يتصاعد المونولوج الداخلي عند سعاد حتى تلد طفلها الثالث سلوم الذي أطلق عليه "قطاع العصاعص"([11]).
يوميات الصبر والمر.. مقطع من سيرة الواقع 2004م.
تتناول مقطع من سيرة الأيام الصعبة أيام الغزو الآثم على دولة الكويت، أغسطس 1990 إلى 26 يناير 1991م يوم النصر المبين، وما رافق ذلك من آلام وتدمير وأحداث مؤلمة تبين المعاناة وتدمير الإنسان والوطن من آثار الاحتلال والتمرد على القيم الاجتماعية([12]).
الأديبة ليلى العثمان تعتبر من الرائدات لمرحلة التأسيس الروائي في الكويت.
رسخت اسمها في المشهد السردي الكويتي وترجمت أعمالها إلى اللغات الأجنبية كما صدرت حول إنتاجها الإبداعي العديد من الدراسات النقدية وتناولت العديد من الدراسات العليا إنتاجها وأعمالها الأدبية من دارسي الأطروحات الجامعية الماجستير والدكتوراه في دولة الكويت والوطن العربي.
قدمت أعمالاً إبداعية متميزة فنالت جائزة الدولة التقديرية بجدارة عام 2013 حيث كرمها المجلس الوطني لثقافة والفنون والآداب ليجزيها حقها بما قدمت من أعمال سردية شاركت في الكثير من المؤتمرات والندوات السردية مزروعة بالحب المشرق الزاهر بالعطاء للأرض والإنسان.
في سردياتها تمجد حرية المرأة ضد الظلم وتفتح نوافذ الضياء فوق المساحات العديدة بجرأة طاغية وحبكة محكمة.
(([1] د. سيد حامد النساج: بانوراما الرواية العربية الحديثة، مكتبة غريب، ط3، القاهرة، 1985، ص 13.
([2]) ليلى العثمان: المرأة والقطة- المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1-1985.
([3]) د. محمد عبد المطلب: بلاغة السرد النسوي- سلسلة كتابات نقدية- الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة 2007م- ص 135.
([4]) ليلى العثمان: المرأة والقطة، ص 6.
([5]) المصطفى الشاذلي: مقاربة أولية لكيفية اشتغال المقدمة في الخطاب النقدي القديم، دورية علامات في النقد، النادي الأدبي بجدة، السعودية، ج29، 28 سبتمبر 1998م، ص 397.
([6]) ليلى العثمان: وسمية تخرج من البحر، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الكويت، 1986، ص3.
([7]) عبد الله إبراهيم: المتخيل السردي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط1، 1990،ص 102.
([8]) ليلى العثمان: وسمية تخرج من البحر، شركة الربيعان والتوزيع، الكويت 1986.
([9]) ليلى العثمان: المحاكمة - دار المدى- ط1- دمشق - 2000م.
([10]) محمد البارودي: السيرة الذاتية- الأدب العربي الحديث- مجلة فصول، مجلد 16- عدد 3-1997-ص 69.
([11]) ليلى العثمان: العصعص- دار المدى للثقافة والنشر- دمشق- ط1- 2002م - ص 75.
([12]) ليلى العثمان: يوميات الصبر والمر- مطابع الملك- الكويت- ط2 - 2004.