هذا ليس رثاءً، فالأدباء لا ترحل سوى أجسادهم، أما أرواحهم وأعمالهم الأدبية فهي تظل بيننا خالدة تنهل منها الأجيال.
كان الأديب سليمان الحزامي -يرحمه الله- أحد الذين أرسو قواعد العمل الثقافي في دولة الكويت، وأحد الذين غرسوا بذرة في حقول الأدب المسرحي والقصصي، وكتب المقالة وكانت له رؤية غيورة على بعض الظواهر التي تعتري الواقع الثقافي فيدونها بجرأة في كتاباته.
اهتم الأديب الحزامي بمشاكل المجتمع بالدرجة الأولى، وغاص في وجدان الناس يلتقط همومهم ومشاكلهم وتطلعاتهم الاجتماعية فرصدها في مسرحياته وقصصه، لذلك حظيت هذه الأعمال بقبول الناس والنقاد فحازت بعض أعماله على جوائز توجت مسيرته العصامية التي بدأها شغوفاً بالثقافة وجسدها من خلال مسارين:
الأول كتاباته التي جاءت معبرة عن الوجدان البشري وقد وصف النقاد مسرحياته بأنها "تنتمي مسرحياته إلى مسرح العبث واللا معقول والبعض الآخر ينتمي إلى الشكل التاريخي مع الإسقاط على الحاضر".
أما المسار الثاني، فقد وظّف الأديب سليمان الحزامي مناصبه ومهامه الثقافية التي شغلها خلال حياته لخدمة رسالته الثقافية، سواء من خلال كونه مؤلفاً أو مخرجاً أو مقدما ومعداً للبرامج الثقافية، ولغاية تسلمه رئاسة تحرير مجلة البيان، هذه المطبوعة التي حقق لها وحقق من خلالها التطلعات الإبداعية التي بدأها في رحلته الثقافية المديدة، فحين تسلم رئاسة التحرير فيها أراد لها أن تكون مكملة لمسيرة الأولين ومرآة لأعمالهم التي كتبوها منذ الستينات، فأنشأ باباً تحت عنوان " من تاريخ البيان" ليستذكر القارئ أعمال المؤسسين لهذه المجلة والذين أول مَن سطّر فيها حرفاً.
يقول في أحد لقاءاته عن مجلة البيان: "أزعم أني حرصت أن تكون هويتها كويتية من خلال الأقلام التي تكتب فيها، سواء من الشباب أو الأجيال المختلفة، مما يُسَوِّق الأدب الكويتي والأدب المحلي أيضا، ومن خلال اختيار الأغلفة، حيث نكتب نبذة عن شخصية من الشخصيات الكويتية، ويكون الغلاف دالاً ومزينا بصورة هذه الشخصية اعترافا بدورها في مسيرة الثقافة بالكويت، وهو نوع من حفظ التراث للذين أعطوا الأدب الكويتي قيمة من خلال إنتاجهم الأدبي".
كان عصامياً ودؤوباً على العمل لا تهدأ له قريحة، فحتى آخر أيام حياته ظل يكتب ويعد ويقدم برنامجه الإذاعي "همس القلم" الذي رافقه مدة ست عشرة سنة، واستضاف من خلاله الكثير من الأدباء المحترفين والهواة، فقد كان مؤمناً بإبداعات الشباب ومحفزاً لهم، وقد آزر الكثيرين منهم في بداية حياتهم وحققوا حضوراً لافتاً في ما بعد.
لم تتوقف أعمال الحزامي -يرحمه الله- عند حدود المحلية، فقد حلقت مسرحياته خارج دولة الكويت وشاركت في مهرجانات عربية ومُثلت أعماله في العديد من المهرجانات، لذلك فقد اعتبره النقاد رائداً من رواد المسرح وتكريمه مع عشرين رائدا مؤثراً في الحركة المسرحية وكان آخرها مهرجان المسرح العربي الثامن الذي أقيم في دولة الكويت ونظمته الهيئة العربية للمسرح الذي يرأس مجلسها الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي.
وإذ تفرد البيان في هذا العدد صفحاتها لتتحدث عن الأديب سليمان الحزامي، فإنها تدرك أنها لن توفيه حقه، إنما هي وقفة وفاء يسيرة منها لتذكير النقاد بأعماله التي تستحق الدراسات والبحث بأوسع من ذلك بكثير.