مجلة البيان

من علماء الخليج العربي في القرن الرابع عشر الهجري (الشيخ الأديب محمد بن عبدالعزيز الصديقي)

        إن من نعم الله علينا أن اجتبانا لهذا الدِّين القويم، وأكرم أمة العرب والإسلام بنبيِّنا الهادي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم؛ ومن فضله جلّ وعلا أن هيّأ لهذه الأمة من يحفظ لها دينها على مرِّ الأزمنة والعصور على يد عددٍ من العلماء الفضلاء الذين بذلوا جهدهم في نشر العلم بين الناس والدعوة الى الله تعالى على بصيرة؛ ومن هؤلاء العلماء: الشيخ العلامة محمد بن عبدالعزيز الصدّيقي- رحمه الله – الذي كان له الدور البالغ في خدمة الدين ونشر العلم والثقافة والدعوة إلى الدين القويم والعقيدة الصحيحة في منطقة الخليج العربي خاصة وما جاورها وعموم بلاد المسلمين؛ تعليماً وإرشاداً وتأليفا.

وسوف أتناول في هذا المقام  نبذةٍ مختصرة عن سيرته وحياته وجهوده الدعوية ومؤلفاته العلمية وبعضا من قصائده الأدبية.

        هو الشيخ العلامة الأديب محمد بن عبد العزيز بن عبدالرحيم بن أحمد الصديقي، يرجع نسبه إلى سيدنا الخليفة الراشد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه - حيث يقول في قصيدته المخمَّسة لابن الوردي في رثاء شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهم الله -

 يقــــــــــول محمدٌ للنظم عندي           مفاتيح أعيـــد بها وأبدي

فأصل النظم للشهم ابن وردي         لذا خمسته إذ ذاك جدي

وقوله في كتابه المطبوع " الفوائد الحسان":

فخذ ختام النظم مني يا بني         واحفظه حفظاً جيداً يا ابن لؤي

فجدُّك الصديق فاعلم من لؤي       وانهـــج علــى نهجـــه أيــــــا بني

ولد الشيخ محمد في الأحساء عام 1293هـ الموافق 1876م ونشأ في كنف والده الشيخ عبدالعزيز الصديقي وفي بيئة علمية محافظة؛ فأسرة الصديقي أسرة علم وفضل متوراث.

أخذ الشيخ محمد بن عبدالعزيز العلم على يد عددٍ كبير من العلماء والفقهاء في شتى العلوم الشرعية والفقهية وعلوم اللغة العربية، ومن شيوخه : والده الشيخ عبدالعزيز الصديقي، والشيخ عبدالرحمن بن يوسف سلطان العلماء، والشيخ حسن الكوهجي وأبنائه الشيخ محمد والشيخ أحمد بن حسن الكوهجي، والشيخ القاضي أحمد بن محمد العلي العرفج، والشيخ محمد بن حسين العرفج، والشيخ القاضي مفتي الديار الأحسائية عبداللطيف بن عبدالرحمن الملا  - رحمهم الله جميعا- .

أخذ عن الشيخ محمد عدد كبير من التلاميذ وطلبة العلم في الجزيرة العربية والبلاد الإسلامية ومن أبرزهم ما يلي:

1- الشيخ الفاضل عبدالله بن إبراهيم الانصاري "خادم العلم" من علماء دولة قطر.

2- الشيخ القاضي محمد الطيب اليوسف" قاضي الطائف"

3- الشيخ القاضي عبدالله بن صالح الخليفي؛ تولى التدريس والقضاء في حائل.

4-   الشيخ عمر بن علي الفاروق الفلاتي، من علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة.

5-  الشيخ سيد إبراهيم بن سيد كامل الحسني نسباً، من أهل الكويت.

6-  ومن أسرة الصديقي تتلمذ على يديه: ابنه البكر الشيخ أحمد بن محمد الصديقي، وابن أخته الشيخ محمود بن محمد الصديقي، والشيخ القاضي يوسف بن أحمد الصديقي، والشيخ الفاضل علي بن محمد الملك الصديقي.

كان الشيخ محمد بن عبد العزيز محبوباً عند كافة شرائح المجتمع ناصحاً وداعياً وموجها، وكانت تربطه علاقة وطيدة ومودة صادقة مع الملوك والحكام والعلماء والأدباء الفضلاء، ومنهم: الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وابنه الملك سعود بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله بن جلوي، وابنه الأمير سعود بن جلوي، والشيخ أحمد الجابر الصباح، والشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ الشاعر الأديب سلطان بن صقر القاسمي وكانت بينه وبين الشيخ محمد مساجلات شعرية رائعة تدل على عمق العلاقة والمودة الصادقة- رحمهم الله جميعاً-.

كما كانت له علاقات علمية وأدبية مع العديد من العلماء والأدباء، ومنهم:

1-    الشيخ العلامة عبدالله بن خلف الدحيان.

2-    الشيخ العالم محمد بن أحمد بن سعيد النجدي.

3-    الشيخ العلامة محمد بن عبدالعزيز المانع "قاضي قطر".

4-     الشيخ القاضي المؤرخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر الأنصاري -صاحب كتاب (تحفة المستفيد في تاريخ الأحساء القديم والجديد).

5-     الشيخ عبدالله بن محمد الصديقي.

6-     الشيخ الأديب محمد بن عبدالرحيم الصديقي -صاحب  كتاب (النبراس وسلافة الأديب).

7-    الشيخ محمد صالح بن عبدالوهاب العدساني.

8-     الاستاذ الأديب عبدالله زكريا الانصاري - رحمهم الله جميعا-.

 

قام الشيخ محمد بن عبدالعزيز بواجب الدعوة الى الله تعالى ونشر العقيدة الإسلامية الصحيحة في العديد من المناطق التي زارها ؛ وقد قال عن نفسه رحمه الله:

فعبـــدالعــــزيز الصديقـــي محــمـــدٌ       على الوعظ والإرشاد لازال قائما

مع الصدق والإخلاص قولاً ونية       وأحسن إلهــــــي قصدَنا والخـوتما

ومن أهم أعماله التي قام بها:

-      تولى وظيفة التدريس والدعوة والإرشاد في الرياض وعموم مناطق السعودية.

-      إنشاء المدارس العلمية الشرعية.

-      إمامة المصلين وإلقاء الخطب والمواعظ في الدمام والبحرين.

-      التعليم والخطابة في جوامع الكويت.

-      التدريس في دار الحديث بمكة المكرمة.

-      الإفتاء والإرشاد لحجاج بيت الله الحرام، حيث كان يحج كل عام.

ومن صفاته وأخلاقه الكريمة: التواضع، وحسن اللقاء، وتوقير العلماء، وطيب الحديث، والمرح، والتودد، والإنصاف، وصلته لأرحامه وأقاربه وأصحابه ؛ ومن صور تواضعه الجم قوله:

خمَست تخميسا نفيساً عاطرا     بقريحتي القرحاء ولم أك شاعرا

هــــــــذا محمد يقف شهماً ماهرا     سعدي ولم يصبر ولم يك صابرا

              في العشق الا أن يكون تكلفا

أثنى عليه الكثير من العلماء الكرام، ومن ذلك ما يلي:

-قال عنه الشيخ محمد بن عبدالله الأنصاري:

حوى رقة الأخلاق مع حسن سيرة     وأعلاه عند العالمين التواضع

محمد بـــــن عبدالعزيــــــــــز تحـــــدَّرت        صفــــــات له غر حسان بدائع

-وقال عنه الشيخ سلطان بن صقر القاسمي – حاكم الشارقة-:

هذا الكريم الفاضل          من لم يـــــــــزل يناضل

أهل الهوى يقاتــل           لا ينثني عن ذا الذي

لازال يرقا شامخـا            مـــــــــن العـــلا وباذخا

للشيخ محمد بن عبد العزيز العديد من المؤلفات النافعة المطبوعة في العقيدة والفقة والسيرة والأخلاق والرقائق، وهي كما يلي:

1-    لوائح السعادة لمن طلب الإفادة-طبعت في الكويت عام 1375 هـ الموافق 1956م.

2-    التحفة المكية في الحكم المرضية- طبعت في البحرين 1355هـ الموافق 1936م.

3-    منظومة العقيدة المطهرة- طبعت في مكة المكرمة 1359هـ- الموافق 1940م.4

4-    الدرة اللجية في النصائح الدينية- طبعت عام 1359هـ الموافق 1940م.

5-    قلادة المرجان سيرة نبينا  محمد سيد ولد عدنان-طبعت في مكة المكرمة 1359هـ الموافق 1940م.

6-    جوهرة النظام في نواقض الإسلام-طبعت في الكويت 1375هـ الموافق 1956م.

7-    مفتاح الجنان- طبع عام 1375هـ الموافق 1956م.

8-    الفوائد الحسان- طبعت في الكويت 1375 هـ الموافق 1956م.

9-    المخمّسة البهية في العقائد السلفية-طبعت في البحرين 1355هـ الموافق 1936م.

وله العديد من المؤلفات المخطوطة.

منظوماته وقصائده الشعرية:

 للشيخ محمد بن عبد العزيز منظومات وقصائد شعرية كثيرة متنوعة في السيرة والتاريخ والأخلاق الحسنة وفضل العلم والنصح والرقائق ووصف المناطق في رحلاته وغير ذلك.

ونورد بعض قصائده التاريخية والأدبية:

قال في نظمه المسمى "نظم العنقود في تاريخ ابن سعود " في تهنئة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أثناء حروبه في اليمن أواخر سنة 1352هـ:

شاع الفتوح بشهده أسُعود

كل الممالك طُوَّع محصود

 

والنصر والفتح المبين كلاهما

متحللا بلوائكم معقود

 

جاء البشير مبشراً بفتوحكم

فسجدت شكراً والأنام شهود

 

وأمرت أهلي والعشيرة كلهم

أن يسجدوا شكرا وحُقَّ سجود

 

أعطيته قلي وكثري بشرة

منه استسرت مهجة وكبود

 

قرت عيون المسلمين بفتحكم

وله بقلب المشركين وقود

 

صار الفتوح عليهمُ نار اللظى

وهمُ حجارتها الدهى ووقود

 

موتوا بغيظكم أسافلة الورى

فالبدر بدرٌ والسعود حمود

 

لا ينطفي نور الإله بنفخكم

فالله يأبى واستنار وجود

 

هنيت يا ملك البقاع بفتحكم

حاز التهاني جودك الموجود

 

ولقد فنوا أعداءك السود الوجوه

من فضل ربك إنه المعبود

 

ومن قوله في التفكر فيما بعد الحياة:

لو فكّرتْ نفوسنا لديها

حسابها فيما لها عليها

 

لحزنها قد بعثت إليها

دموعها تسيل من عينيها

 

تفكّروا في الحشر والمعاد

تصوروا في قومة الأشهاد

 

بادر أخي في عمرك القصير

فاعمر به منازل المصير

 

وارقب حساب الناقد البصير

قبل صدود الشافع النصير

 

لا تغفلنْ عن هادم اللذات

وصارم الأرواح والذّوات

واذكر مصير الصُّوَر الرُّفات

خُذ عدَّة تكفيك في الكِفات

 

دار الغرور إنها قد فتنت

عشاقها انظر بما قد فعلت

 

عن كلّ ما لا بدّ منه شغلت

فإن تحلّت في فِناك ارتحلت

 

طوبى لمن قد هجر المناما

مستغفراً وثبت الأقداما

 

منتصباً في غيهب الظلام

وراجياً من ربه العلاّم

 

إذ أظلم الليل تمادى بالسهر

وإذ أتى النهار قام واعتبر

 

إذا نظر في عيبه استغفرا

وإن ذكر ذنوبه انكسرا

 

وقوله في الحث على طلب العلم:

 

واطلب العلم ولو بالصين

فإنه ملاك أمر الدين

 

فرضٌ لكل مسلمٍ ومسلمة

بأن يَرى معلّما يعلمه

 

تعلم سويعةٍ من ليلِ

أحبّ من إحياء كلّ الليل

 

عن ابن عباسٍ ورد هذا الخبر

فخذ أخي مني الحديث المعتبر

 

وفضل علمٍ عن عمل خير ورد

عن النبيّ الهاشمي المعتمد

 

وإنما ملاك أمر الدين

هو الورع فاعلمْه باليقين

 

 

من عمل بكلّ علمٍ يعلم

شغله عن علم ما لا يعلم

 

تعلم العلم أخي عين العمل

تعليمه للناس أولى وأجَل

 

إن كنت لا تعلم ما في الأمر

بالجِدّ فاسأل عنه أهل الذكر

 

هذا كلام الله والحق المبين

فاحذف لديك الشكّ واعمل باليقين

 

فجاهلٌ بجَهله لا يعذر

لابدَّ من عِلمٍ  به يذاكر

 

وقوله في مراحل العلم:

وأول العلم هو الإنصات

فالاستماع  خُذه يا ثبات

 

فحفظه ثم العمل بالعلم

فنَشرُه بين الورى بالعزم

 

وعالمٌ بعلمه لا يبذل

كصاحب الكنز الشحيح أبخل

 

يقاد يوم الحشر باللجام

إلى الجحيم أسوء المقام

 

 

 

 

وقال مخمسا هذه القصيدة وأصلها للشاعر قيس بن الملوح:

رِكبتُ جَوادي معْ بُزوغ  غزالةٍ         فوجَّهتُ وَجهي نحو أرض تِهامةٍ

يَسِحُّ بِعَـــــدوٍ فى اقتفاء رُفاقةٍ           فلمــــــــــــــا تلاقينا على سَفحِ رَامَةٍ

                        وجَدتُ بنان  العامريّه أحْمرا

فهشَّتْ وبَشَّتْ بالتِقَاء رُفاقنــــــــا         أعَدّتْ لنــــــا كلّ القِرى في وِفاقنا

فدارتْ بكأسٍ من سُلافِ مَذاقنا         فقلتُ خَضِبـــــــتِ الكفّ بعد فِراقنا

                        فقالت معاذ الله ذلك ما جَرى

فإنــــــــي خَليــــــقٌ بالوفاء بعهْدِكُــــم       جديرٌ بِوجْدي في مهامة وَجْدِكم

وكوكبُ سَعْديْ في سَعادة سَعْدِكم      ولكنّنـــــــي لمــــــــــــا بليتُ بِبُعْدِكم

                        بكيتُ دماً حتى بلَلْتُ به الثّرى

ففَاضتْ دموعي في فَضاء المواضِع    وسالتْ بها حتّى هَجَرْتُ مَضاجِعي

كشفـــــــتُ نقاباً عن وَمِيضِ سَواطع     مسحتُ بأطراف البنانِ مَدامِعـــي

                        فصار خِضاباً بالأكفّ كما تَرى

فعبدالعزيزِ ابنُه صــــــــار مُسعِفا         لدَعوةِ شَهْمٍ كامل الحبّ يُوسفا

سلالة أحمد آل خاطر مَن صفا        بصفو كمال الوّدّ لستُ مُخالفا

 

وغير هذا كثير.

وبفضل الله وتوفيقه فقد جمعنا عدداً طيباً من قصائد الشيخ محمد بن عبد العزيز  في كتابنا المطبوع بدولة الكويت عام 1436هـ الموافق 2015م بعنوان: (الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز الصديقي- مؤلفاته العلمية وجهوده الدعوية) وتناولنا سيرته الشخصية، واستعرضنا مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة، وأبرزنا جهوده الدعوية.

توفي الشيخ محمد – رحمه الله- في مدينة الرياض في الخامس والعشرين من شهر محرم سنة 1381 هـ الموافق 8يوليو 1961م.

تغمده الله  برحمته ورفع في الفردوس درجته.