مع شروق كل شمس أحمله فوق ظهري النحيف، ذراعاه لأعلى متجهان نحو السماء الزرقاء، حين تراني؛ تراه موازيا وملتصقاً بظهري كأنه غصن شجرة شق ظهري وخرج منه، أو لعله خرج من الحقيبة التي فوق ظهري أيضاً.
ظلي ورائي أطول من قامتي القصيرة، يتمدد فوق مساحة أكبر، الظلال هنا تحتل مساحات أكبر من أصحابها.
أقترب من الثعبان الممدد، الملتف حول كل شيء... الثعبان الحجري الخراساني ينمو على غير عادة الجماد، يزداد طولاً يوما بعد يوم، يلتف حول القرى والدور وحقول الزيتون، يعتصر كل شيء، ينتزع منه الحياة.
أنظر يمنة فلا أرى أولاً لجسده، أعيد النظر يسرة فلا أرى آخر له.
- متى يموت الثعبان ويفنى جسده الحجري؟!.
لو كان أبي هنا لما تركهم يبنونه، لو كان هنا لقاومهم كما كان يفعل دائماً، لكنه الآن في الأعالي.
العرق يزيد من إحساسي بحرارة الجو، الشمس حميت، أُنزله ببطء، أضعه مقابلا للجدار،أقرأ كتابات فوقه، سنقاوم...،لا... و عبارات كثيرة؛ أبتسم، أرى رسوما شاركت في رسم بعضها.
أصحح وضع حقيبتي خلف ظهري، ثم أرتقي درجاته، ينتفض الثعبان ويتشنج، يهتز السلم، أقبض عليه بأناملي الدقيقة، أضغط بثقل جسدي، و أواصل الصعود.
لو كان أبي هنا لذهبت إلى المدرسة بـ "الباص" أو ربما اشترى لي دراجة هوائية، أو ربما رافقني سيراً على الأقدام.
- أين أنت يا أبي!
أرتقي فوق جسد الثعبان، أقف عليه، أركله بحذائي، أدكه تحت قدمي فيثير غباراً، يهتز بشدة غاضباً، أثبت فوقه وأضحك.
الأرض على جانبيه متطابقة كسكين ساخن قطعت قالب زبد لنصفين، هذا كرم زيتون شجراته على الجانبين، هذه دار حديقته هنا والبيت هناك على الجانب الآخر، هذه طريقي نصفها المؤدي لبيتي في هذا الجانب، والنصف المؤدي لمدرستي في الجانب الآخر.
- لولا هذا السد الذي ألقي في نهر الحياة لما استمرت معاناتي.
أمد ذراعيَّ القصيرتين وبصعوبة ألتقطه، أرفعه في الهواء، أنزله على الجانب الآخر، ثم أشرع في النزول.
أهبط على الأرض، في الناحية الأخرى لا شيء مختلف، أتنفس نفس الهواء، أمشي على ذات الأرض، أرى الأنصاف المكملة لبعضها في الطرف الآخر، شيء واحد مختلف؛ هو ذاك الحزن الذي يعتليهم.
أحمله فوق ظهري وأهم بالانصراف...
الثعبان الملتوي يحدق فيَّ بغيظ، يستجمع كل قواه، يهم بمطاردتي، أسمع فحيحه،يشده ثقله إلى الأرض فيهمد.
- هههه... انتصرت عليك اليوم أيضاً.
أعطي له ظهري، أبتسم في هدوء، أواصل سيري في النصف الآخر من الطريق.