الحياة مراحل وفترات تمر على الإنسان يتعلم منها ما يأخذ منها ويعطي من حياته ما لديه من خبره وتجربة، ولكل شيء في هذه الحياة ثمن، ولعل أغلى الأثمان التي يدفعها الإنسان هي ثمن النجاح, فالوصول إلى النجاح والحصول عليه ليس أمراً سهلاً, وهذا الكلام ينطبق في كل ميادين الحياة إن كانت علمية أو أدبية أو عسكرية أو اقتصادية إلى آخره من ميادين الحياة . وثمن النجاح يبدأ من الطفولة، من التربية، فنحن عندما نربي أبناءنا لابد من أن يعرفوا أن هذه التربية لها ثمن ولها هدف، أما الثمن فهو العلم والتعليم والتهذيب والأدب، أما التعليم فهو ما يدرسه الفرد في المدارس وهو الهدف الذي ينظر إليه الإنسان كطريق يصله بما يريد من علم وتخصص في هذه الحياة، فمن يريد الطب أو الهندسة أو الكيمياء.. إلخ، من العلوم فهو ينهج في دراسة هذه العلوم حتى يصل إلى ما يريد ولكل ما سبق ثمن، وأغلى هذه الأثمان هو ثمن النجاح وكما يقولون الوصول إلى القمة أمرٌ سهل لكن الصعوبة تكمن في الحفاظ على مكانك فوق القمة, وهنا نبدأ في قراءة المجتمعات العربية في هذا الزمن فنجد إن محاولة الوصول إلى القمة أمرٌ يبحث عنه الكثيرون، لكن من يصل إليه هم القلة والقلة النادرة , ولنتساءل ما هي الأسباب؟ ولنذهب مباشرة إلى الإجابة التي هي تقوم على الاجتهاد فحسب، نقول إن الحياة المادية في المجتمع العربي- دون أن نحدد بلداً أو مكاناً معيناً- هي محاولة التقصير عند الآخرين فتجد (أ) من الناس لا يكترث لنجاح (ب) من الناس والعكس صحيح وهكذا . فالغيرة عامل هدم في تقدم الإنسان العربي وبالتالي المجتمعات العربية، فكل منا مع الأسف يرى الكمال عنده فحسب، ولا يراه عند الآخرين، وهذه لعمري وقفة مفصلية في الإيثار وتقديم الغائب على الحاضر، أعني أنك -عزيزي القارئ- إذا كان صديقك أو من تعرفه أكثر منك جدارة في الكتابة أو موقف ما فلا تتردد في أن تقدمه على نفسك، وهنا نضرب مثلا عاليا في التضحية وتقديم الصح على الخطأ.
إن المجتمعات لا تتقدم ولن تتقدم إذا كانت تقوم على حب الأنانية ومحاربة نجاح الآخرين, فالنجاح هو غاية وعلينا أن نصل إليها بالتضحية، بالتآلف والحب وليس بالمؤامرات والإساءة إلى الآخرين أو التقليل من قيمة فلان أو غيره, وهذا الكلام لو ذهبنا إلى سنوات قد تصل إلى القرن، فإننا نجد أن الحركة الأدبية والعلمية والفكرية كانت مزدحمة والتنافس كان موجوداً ونظرية البقاء للأفضل كانت موجودة، ولذلك ظهر كثير من العلماء والأدباء والشعراء مثل البارودي وشوقي وطه حسين وفهد العسكر وغيرهم و غيرهم لأن المنافسة كانت تقوم على الأفضل وعلى الاحترام والتقدير, أما اليوم مع الأسف الشديد فإن عدم الرضا موجود دون أن يكون محاطاً بخبرة أو ثقافة تعطيك الحق في أن تحكم على هذا الإنتاج جيداً كان أو أقل من ذلك.
إن مهمة من يرون أنفسهم أنهم مصابيح تنير الطريق لأجيال اليوم بغرس الحب بين الشباب من خلال منافسة شريفة تعطي لكل ذي حقٍ حقه دون أن تنقص الآخرين حقوقهم أو مكانة إنتاجهم مهما كانت أدبية أو علمية أو أي من مجالات الإبداع . إن المهمة ليست سهلة تحتاج إلى إعادة بناء الشخصية العربية محاطة بإطار الإسلام العظيم الذي يحث على حسن العلاقة بين البشر والذي يؤطر العلاقات الإنسانية بكل الحب والتقدير وأن يعرف الجميع أن الحكم في النهاية هو البقاء للأفضل.