الشخصيات
§ المنتج المسرحي حسان.
§ مؤلف المسرحية.
§ مخرج المسرحية.
§ مندوب إعلان الشركات.
§ عبدو -ممثل.
§ لطفي-ممثل.
§ غسان-ممثل.
§ حمدو- ممثل.
§ مدير أعمال المنتج.
§ حامد- لاجئ.
(ترفع الستارة عن خشبة المسرح - أصوات انفجارات من بعيد- في صدر المسرح لوحة مكتوب عليها"مسرحية من إنتاج شركة بازوكا للإنتاج الفني" -بضع كراسي مبعثرة- المخرج بلباس عادي والمنتج بلباس أنيق)
المخرج: ياسيد حسان؛ جعلتني آتي للمسرح رغم علمك أن بيتي يقع في منطقة ساخنة لاتتوقف الاشتباكات فيها؛ قلت لك أن القذائف تنهال علينا ولكنك أصريت على حضوري.
المنتج: لاه يا أستاذ ثائر..أنت مخرج مسرحي طليعي وتقول ذلك! هل يمكن أن تمنعك هذه القذائف والانفجارات عن تلبية نداء المسرح؟
المخرج: صدقني ياسيد حسان؛ لولا لطف الله لما وصلت إلى هنا سالما؛ كان يمكن تأجيل هذا الأمر ليوم آخر لا تتساقط فيه القذائف علينا كالمطر.
المنتج: يوم آخر؟! أي يوم آخر يا أستاذ؟ كل الأيام صارت مثل بعضها..قذائف متفجرة.. هاونات .. جرار غاز.. مدافع جهنم.. لكن..لا (بخطابية) كل هذه الانفجارات لايمكن أن تمنعنا عن تلبية نداء المسرح..لبيك أيها المرسح.. يعيش المرسح..
المخرج: عفوا اسمه المسرح.
المنتج: نعم.. المرسح.. المسرح لايهم الاسم..المهم أن نلبي نداء المرسح.. لذلك اتصلت بالكاتب المرسحي الأستاذ زكوان ليأتي ومعه النص والممثلون لتباشر أنت إخراج المرسحية فوراً.
المخرج: أخرج المسرحية فورا!! كيف وأنا لم أقرأها؟
المنتج: يارجل..خير البر عاجله..ثم من سيشاهد المرسحية؟ هل تتوقع أن يغامر الجمهور بالحضور والحرب قائمة.
المخرج: إذن لماذا تغامر بإنتاج مسرحية في أتون حرب تمنع الجمهور عن الحضور؟
المنتج: (بلهجة خطابية) حتى لايقال أن المرسح مات بسبب الحرب؛ يجب أن نوصل رسالة للمتحاربين بأن المرسح يشكل دعوة للحب والسلام ودعوة للحوار الوطني .. من المرسح يجب أن نصرخ بالمتحاربين كفى .. يكفي قتلا وتخريبا للبلد..أنا صاحب شركة إنتاج تلفزيوني كبيرة؛ لكني أعتمد على المرسح ليدعو أبناء الوطن للحوار ونبذ العنف ورمي السلاح.
المخرج: حماسك للمسرح مشكور ..لكن هل قرأت النص الذي كتبه المؤلف زكوان؟
المخرج: في الواقع لا..قلت له أن يكتب مسرحية دموية ..مشاهد خطف وقتل وحرق وتدمير..
المخرج: لاتؤاخذني ياسيد حسان..لايمكنني إخراج مسرحية لم أقرأها وأدرس شخصياتها وفضاءاتها و...
المنتج: (مقاطعا) لا وقت عندي لهذه التنظيرات..هناك شركات راعية دفعت تمويل المسرحية....ليس المهم عندهم مضمون المسرحية ولماذا وأين تجري المرسحية؛ بل المهم عندهم الإعلان عن منتجاتهم ؛ سوف يرسلون مندوبهم اليوم للدفع بعد مشاهدة البروفة؛ وبصراحة هناك مخرجون كثر ينتظرون أن تعتذر عن الإخراج ليحلوا مكانك وبنصف الأجر الذي سأعطيه لك..ماذا قلت؟
المخرج: لعن الله الحاجة المادية..ماذا أستطيع أن أقول..أمري لله..موافق...خاصة أن المسرحية لن يشاهدها الجمهور كما تقول..
المنتج: طبعاً لن يشاهدها الجمهور..سنأخذ لقطات من العرض الأول ؛ وسنركز على اللوحات الإعلانية للشركات الممولة؛ ثم نعرض هذه اللقطات على شاشة التلفزيون كإعلان للمسرحية فنمرر إعلانات الشركات الراعية للمرسحية..هذه هي اللعبة بصراحة.
(يدخل المؤلف وبيده أوراق)
المؤلف: السلام عليكم.
المخرج: أهلا أهلا بالكاتب الألمعي زكوان (للمخرج) أرأيت..أول اتصال معه جاء ومعه نص المسرحية؛ لم يستطع إلا الإسراع بتلبية نداء المرسح.(للمؤلف) أنت فعلا كاتب ألمعي با أستاذ.
المؤلف: يسعدني يا أستاذ ثائر أن أتعاون مع مخرج مشهور مثلك عبر هذه المسرحية.
المخرج: أية مسرحية ؟ أنا لم أقرأ النص.
المؤلف: نص واقعي يا أستاذ...نص يعبر عن الحالة...مضمون المسرحية باختصار الحارة الشمالية تشتبك مع الحارة الجنوبية...معارك..دماء.. يعني كل ما يخطر على بالك من وسخنات..النص المسرحي بمجمله يشكل صدمة للطرفين بإظهار البشاعة لهم ليتفقوا على وقف العنف واللجوء للحوار.
المنتج: (بإعجاب) ياسلام..هكذا يكون الإبداع أو لا....صدمة للطرفين... ياسلام.. رائع... (للمخرج) : مارأيك بأن تبدأ الإخراج فوراً.
المخرج: (باستهزاء) إخراج ماذا؟ لم أقرأ النص؛ ولايوجد ممثلون و..
المنتج: كل شيء محسوب حسابه يا أستاذ..مدير الإنتاج ينتظر إشارتي لإدخال الممثلين (ينادي) ياممدوح
(يدخل مدير الإنتاج ممدوح)
مدير الإنتاج: لبيك ...أنا حاضر
المنتج: هل الممثلون جاهزون،؟
مدير الإنتاج: جاهزون طبعا..لكن المشكلة أن معظم الممثلين المعروفين إما غادروا البلد أو انشق بعضهم؛ لذلك اضطررت لتجميع ممثلين من الدرجة الثالثة ومن المغمورين
المنتج: لايهم..الأستاذ زكوان سيحسن التعامل معهم وتطويعهم في المرسحية..أدخلهم.
مدير الإنتاج:عفوا أستاذ..أدخلهم أم أدخل قبلهم مندوب الشركات الراعية للمسرحية؛ جاء ومعه آرمات إعلاناتهم ليعلقها في المسرح ثم يدفع أجور الإعلان.
المنتج: طبعا أدخل مندوب الشركات الراعية أولا..هؤلاء يدفعون بالعملة الصعبة
(يدخل مندوب الشركات غاضبا وهو يحمل رزمة لوحات كرتونية)
المندوب: لا ياسيد حسان..منذ ربع ساعة وأنا أنتظر في الكواليس..هذه إهانة لي..أنا مندوب أهم الشركات وكان من المفترض أن تخرج وتستقبلني على باب المسرح ولا تنقعني في الكواليس مع عامة الممثلين.
المنتج: (بلهجة اعتذار) العفو..العفو منك ياسيدي..لم يخبرني مدير الإنتاج بوجودكم إلا الآن.. (لمدير الإنتاج) كيف تجعل السيد المبجل ينتظر؛ سيكون حسابك معي عسيرا.. (للمندوب) أخطأنا ومنك السماح
المندوب: هذه المرة لا بأس..لولا أن الظروف صعبة ونحن في أزمة لكنت ضحيت بعمولتي من أجور إعلانات الشركات وانسحبت..(يخرج كرتونة ويفردها) هذا إعلان من شركة xww
((مكتوب بخط عريض على الكرتونة: شركة المحبة لتصنيع المفخخات- جودة كاملة- نتائج تدمير مضمونة- مستعدون لتوصيل الطلبات لأصحابها))
يشترطون تعليق هذا الإعلان في صدر المسرح وإبرازه في الإعلان التلفزيوني عن المسرحية لمدة لا تقل عن سبع ثوانٍ.
المنتج: أبشر.. سبع ثوانٍ.
(يأخذ مدير الإنتاج الإعلان باهتمام ويعلقه في صدر المسرح- يفرد المندوب كرتونة أخرى مكتوب عليها: لسنا الوحيدين لكننا الأفضل؛ شركة ## لتحويل جرار الغاز إلى براميل متفجرة؛ حسم خاص للزبائن الدائمين)
المندوب: وهذا إعلان من شركة xx## يطلبون تعليقه بمكان بارز وعرضه خمس ثوانٍ على التلفزيون.
المنتج: أبشر..خمس ثوانٍ.
(يأخذ مدير الإنتاج الإعلان ويعلقه- يفرد المندوب إعلاناً آخر مكتوب عليه؛: شركة الوئام للاستيراد والتصدير؛ استيراد كافة الأسلحة الفتاكة وتصدير جميع الأعضاء البشرية حسب الطلب)
المندوب: وهذا إعلان آخر... شخصياً أطلب الاهتمام بشركة الوئام..إنها شركة تدفع باليورو.
المنتج: كل الاهتمام..
(يأخذ مدير الإنتاج الإعلان ويعلقه)
المندوب: والآن دعوني أرى مشاهد من المسرحية لأطمئن إلى أن إعلانات الشركات لن تذهب سدى.
المخرج: لن يذهب شيء سدى يا سيدي...الآن سترى(لمدير الإنتاج) أدخل الممثلين ليباشروا التدريبات
مدير الإنتاج: حاضر..إنهم في الكواليس
(يسمع صوت شجار وإطلاق رصاص فينبطح الجميع مرعوبين)
المؤلف: الله يستر..الاشتباكات وصلت للمسرح.
مدير الإنتاج:أعتقد أن الممثلين اشتبكوا مع بعضهم في الكواليس..ماذا أفعل..اضطررت لاستحضار ممثلين يقيمون في الحارة الشمالية وآخرين يقيمون في الحارة الجنوبية
المخرج: وهل أتوا ومعهم أسلحتهم؟
مدير الإنتاج:من يمشي هذه الأيام بدون سلاح..إن لم يكن كلهم فمعظمهم مسلح..الله يستر...ياستار..
(يدخل شخصان هما عبدو وغسان مسلحين برشاشين ويحولان بسرعة بعض الكراسي إلى ما يشبه المتراس ويحتميان خلفه بوضع قتالي)
المخرج: (بدهشة) من!! غسان وعبدو؟ أنتما فنانان مسرحيان لكما مستقبل باهر في المسرح..لماذا تحملان السلاح؟
غسان: أهكذا يا أستاذ..لو كنا نعرف أنكم ستأتون بممثلين من الحارة الشمالية المعادية لنا لما قبلنا الاشتراك بهذه المسرحية.
(يدخل شخصان هما حمدو ولطفي مسلحين برشاشين ويحولان بسرعة ماتبقى من الكراسي إلى متراس مواجه للمتراس الآخر ويحتميان خلفه بوضع قتالي).
المخرج: (بانفعال شديد) ياناس ماذا جرى لكم..أيضا الممثلان حمدو ولطفي!! أنتما أيضا كان لكما مستقبل جيد على المسرح..لماذا هذه الأسلحة؟ أسلحة توجهونها ضد بعضكم وأنتم زملاء في المسرح؟
هذا الكلام لم يعد ينفع يا أستاذ.. قلتم لنا مسرحية من أجل الوطن قلنا نشارك بها؛ لكن لم تقولوا لنا أنكم ستأتون بممثلين.. من الحارة الجنوبية المعادية لنا.
المخرج: ماذا حدث لكم يا ناس؟ كلكم زملاء وشاركتم معا في مسرحيات كثيرة
عبدو: هذا كان قبل الأزمة..كنا زملاء ولكن الآن هم لنا أعداء إلا إذا سلموا أسلحتهم وأعلنوا انشقاقهم .
لطفي: خسئت..أنتم يجب أن تسلموا أسلحتكم وتنضموا للمصالحة الوطنية.
غسان: لا تحلموا بها..لا أنتم ولا داعميكم من البنفسجيين.
حمدو: بل أنتم لا تحلموا بها..لا أنتم ولا داعميكم من الليلكيين.
المنتج: ياشباب..هداكم الله..تعالوا نترك العداوات قليلاً من أجل المرسح؛ أنتم فنانون ويهمكم أن ننجز هذه المرسحية..بعدها افعلوا ببعضكم ما تريدون.
غسان: نحن موافقون من أجل المسرح فقط؛ لكن هل يوافق العملاء من الحارة الشمالية؛ هؤلاء الذين رمونا بالرصاص عندما خرجنا بمظاهرات سلمية؟
حمدو: أنتم العملاء.؛ خرجتم تنفذون أجندات خارجية تحت مسمى مظاهرات سلمية
المؤلف: ياشباب رجاء..شبعنا من هذه الاتهامات والاتهامات المتبادلة..رجاء كفى ..دعونا الآن بموضوع تنفيذ المسرحية.
حمدو: كما تريد...نحن سنوافق حتى لايقال أنهم يحبون المسرح أكثر منا.
المخرج: حسناً..بارك الله بكم..والآن إذا سمحتم أخرجوا من وراء متاريسكم وتحصيناتكم ولنتعامل مع بعضنا كزملاء..
(يخرجون من وراء المتراسين بحذر وهم يتزاورون بعضهم)
المخرج: يا مؤلف يازكوان هات نص المسرحية ودعنا ننتهي منها.. أربع سنوات لم أمت في الحرب ولا أريد الموت مقتولا على المسرح (يأحذ النص ويقرأ بسرعة متمتما) جيد.. سنتجاوز الحوار .. سوف نصف الكراسي وتجلسون عليها على أساس أنكم أصدقاء تشربون الشاي في المقهى و..
غسان: (مقاطعا)عفواً.. الكراسي صارت الآن حاجزا عسكريا لنا.. ثم هل تتوقع أن نقبل الجلوس في مقهى مع هؤلاء القتلة الذين دمروا بيوتنا وهجرونا منها..لا..لايمكن حتى لو كان تمثيلاً.
لطفي: بل نحن لن نجلس معهم ..هؤلاء العملاء الذين يرسلون لحيّنا القذائف والسيارات المفخخة..لا يا أستاذ..يجب أن تتجاوز هذا المشهد (يهتف) الموت ولا المذلة.
حمدو: (يردد) نعم..الموت ولا المذلة..الموت ولا المذلة.
المنتج: لافائدة..سنتجاوز هذا المشهد.
المؤلف: (بحدة)مستحيل..النص مسبوك سبكا مسرحيا ولن أسمح بحذف أي فقرة منه.
لطفي: (يلقم بارودته ويوجهها نحو المؤلف)بل سنتجاوز هذا المشهد المشبوه..ستحذفه من النص وألا..
المؤلف: (بخوف) طول بالك يارجل.. ألا تحتمل المزاح (للمخرج) تجاوز المشهد يا أستاذ؛ اعتبره غير موجود في النص .
المخرج: (يقرأ بسرعة) إذا تجاوزنا هذا المشهد الآن يدخل رجل مقنع يوقع الفتنة بين الحضور ويوزع عليهم السلاح ليتقاتلوا مع بعضهم.
حمدو: هذا من عملاء الاستعمار الذين وزعوا السلاح على أهل الحارة الجنوبية ..نعم وزع السلاح عليهم فقط لأننا بالأصل نمتلك السلاح الرسمي ..لا..لا.وألف لا لهذا المشهد ..احذفه من النص..
المخرج: ياسيد حمدو..أنت فنان مسرحي وتعرف أنه لايمكن التمادي في الحذف
حمدو: (يوجه البندقية نحو المخرج) ستحذف أو أحذف عمرك..كنا نصغي إليك كمخرج قبل الأزمة..الآن أنت ..
المخرج: (بلهجة تملق)لأه أيها الفنان الكبير..أتظن أنني لا أعرف قدراتك الفنية؛ فنان كبير مثلك لايمكن أن نرفض طلبه..نحذف المشهد كله..فليهدأ خاطرك (وهو يتملى في النص) بعد هذا المشهد الذي حذفناه يدخل رجل أنيق يسعى لإجراء مصالحة بين المتخاصمين (لمدير الإنتاج) هل الممثل الذي سيؤدي هذا الدور جاهز؟
عبدو: (بغضب) ستوب..هذا المشهد مرفوض
المؤلف: مرفوض!!
عبدو: نعم..هذا الذي يسعى للمصالحة هو المبعوث الدولي..إنه يحمل أجندة خارجية تهدف للنيل من صمود حارتنا الجنوبية..احذفوا هذا المشهد من النص أو أشعل الفضاء بالرصاص (يهتف) يسقط التدخل الخارحي يعيش القرار الوطني المستقل.
غسان: يعيش يعيش يعيش..
لطفي: طبعاً أنتم لايناسبكم وجود المبعوث الدولي للحوار لأنكم ضد الحوار...أنتم دمويون(للمخرج) احذف ..لانريد وجود مبعوث دولي للمصالحة ؛ وكما قال الشاعر ..خلّي السلاح صاحي ..صاحي...صاحييييي.
المندوب: (بفرح) أحسنتم..أحسنتم.. أنتم فعلا نشامى ..لا وألف لا للمصالحة والحوار .. لماذا الحوار والشاعر قال عن الرشاش الذي يحمله كل واحد منكم..
صامت لو تكلما.. نطق الحديد والدما..
صامت لاتعب صمته..خلق الحزم ابكما..
نعم..لاحوار قبل أن يحقق كل طرف منكم الشهادة أو النصر؛ وإن الشركات المعلنة للمسرحية ستقف معكم حتى تحقيق الشهادة أو النصر(للمخرج بصوت منخفض): احذف المشهد يا أستاذ..صلح ماذا؟ هل تريد خراب بيوتنا وإفلاس الشركات التي تمول هذه المسرحية؟
المؤلف: أرى أننا في النهاية سنكون مع مسرحية لانعرف رأسها من ذنبها ..خليط مليط ..احذف ..المهم أن ننتهي من هذه المسرحية بأقل الخسائر.
المخرج: لست بحاجة لأخذ موافقتك على الحذف..ألا ترى الرشاش الموجه صوبي (يتملى في النص) بعد حذف مشهد المبعوث الصلحي ننتقل لمشهد مخيمات اللجوء..يدخل لاجئ ويطالب بإعادته لحارته(لمدير الإنتاج) هل دبرت ممثلاً لهذا الدور.
(أصوات متداخلة وصياح)
مدير الإنتاج: هذا هو الجواب يا أستاذ..علقت إعلانا على باب المسرح يطلب ممثلا يؤدي دور اللاجئ فجاء حشد(يتقدم من مدخل الكواليس ويتحدث بصوت مرتفع يوحي بأنه يتحدث مع أناس في الكواليس) : لاداعي للتدافش ..ليدخل واحد فقط..نعم واحد لنختبره..إذا رسب سنختار غيره.. أنت.. أنت.. هناك.. تعال..
(يدخل حامد بثياب رثة ومظهر مزرٍ)
المخرج: يبدو أن هذا الرجل فعلا مناسب لأداء دور اللاجئ..ما اسمك يارجل؟
حامد: حامد بن المتنعم ياسيدي
المخرج: هل سبق لك أن مثلت؟
حامد: لم أفهم قصدك ياسيدي.
المخرج: أقصد هل شاهدت من قبل مسرحا أو قابلت ممثلين
حامد: نعم..شاهدت كثيراً، برنامج من مسرح الجريمة الذي كان التلفزيون يعرضه؛ في كل حلقة كان المذيع يسأل المجرم : أين أنفقت المسروقات فيجيب المجرم: على الملذات الشخصية؛ ثم يسأله: هل أنت نادم؛ فيجيب: نعم....أنا نادم؛ ومرة شاهدت على التلفزيون السيد ممثل شيء اسمه منظمة الطفولة؛ لكني لم أقابل الممثل شخصيا؛ لماذا الكذب...الكذب حرام..من يكذب يذهب للنار..تكفيني النار التي أعيش تحت لهيبها أنا وأسرتي؛ فأنا وأفراد أسرتي بدون مأوى.. أي والله بدون مأوى.. قبل ثلاث سنوات جاءت قذيفة وانفجرت فوق بيت جاري أبو كيار بائع الخضار..قتلته مع جميع أفراد أسرته؛ وبلطف الله اقتصرت أضرارها على تهديم البيت فوق رؤوسنا ونحن نيام؛ فجاء أهل الحي وأخرجونا من تحت الأنقاض أحياء .. بعض الكسور والرضوض.... الحمدلله.. لكن بعدها صرنا بلا مأوى ولا ملابس ولا أثاث.. يعني صرنا مشردين..لذلك يا سيدي أنا أكثر من غيري أستحق منحي اللجوء.
المنتج: تكاد تبكيني يارجل؛ ماعلاقتنا نحن باللجوء؟
حامد: ألستم منظمة تعني بتنظيم تسفير راغبي اللجوء بالدور؟ يوجد إعلان على الباب الرئيسي يذكر دور اللاجئين؛ هناك مئات المحتشدين أمام مبناكم يسعون مثلي للجوء.
مدير الإنتاج: (يضحك) يارجل... فهمتم الإعلان غلط..الإعلان يقول مطلوب ممثل لدور اللاجئين.
حامد: كلنا فهمنا الإعلان على أنه تنظيم الدور لطالبي اللجوء.
المخرج: هكذا فهمتم الإعلان(يضحك قليلاً).
غسان: (بحدة)لماذا تستهزئ به..إنه ضحية من ضحايا أهل الحارة الشمالية الذين يرمون القذائف علينا ليلاً نهاراً ويشردون أهل الحارة فلا يجد المساكين أمامهم إلا الهرب وطلب اللجوء.
(يسمع صوت انفجار قوي من الجهة اليسرى من المسرح)
حمدو: هذا رد مفحم عليك ياغسان..هذا صوت جرة من مدفع جهنم سقطت فوق حارتنا
(يسمع صوت انفجار قوي من الجهة اليمنى من المسرح)
عبدو: (بفرح) ياسلام سلم ..حارتنا ردت عليكم بقذيفة هاون..
المنتج: لا..لا أظن أنها قذيفة هاون؛ صرنا خبراء بأنواع القذائف التي تتساقط من أصواتها؛ هذا صوت قذيفة دوشكا.
حامد: عفواً..إنها قذيفة بي سڤن..اسألوني فأنا أعرف ..
مدير الإنتاج: يارجل..قذيفة البي سڤن لا تصدر هكذا صوت؛ أكيد أنها قذيفة صاروخ موجه من عيار ٧٠ ملم
حمدو: كما قال غسان..كانت قذيفة هاون..أطلقت مئات القذائف منها وأعرف صوتها..
(يدخل الجميع في نقاش وتتداخل الاصوات)
حمدو: رغم كل العداوة بيننا مازلت أحترم فيك وقوفك مع الحقيقة...أيدتني بأنها كانت قذيفة هاون؛ هذا يذكرني بالأيام التي كنت أغلبك فيها بطاولة الزهر وكنت تعترف بهزيمتك.
غسان: أنت لم تكن تهزمني..كنت إما تغش باللعب أو كان الحظ يأتيك برمي الزهر؛ تذكر كيف ضبطك لطفي مرتين وأنت تغش برمي الزهر..ذكره يا لطفي
لطفي: (يجلس على الأرض وهو يضحك ويضع البارودة جانبا) إي نعم..ضبطته يغش باللعب مرتين.
عبدو: (يضحك) ولكن هذا لاينفي مهارة حمدو بطاولة الزهر ويكفيني فخرا أنه لم يهزمني ولا مرة..(يضحك) تذكرون كيف تراهننا في الحارة ذات مرة على أن الخاسر يحلي الشباب بصينية كنافة..يومها خسر
المخرج: (يضحك) كلكم لم تجاروني بلعب طاولة الزهر.تذكرون عندما كنا نجري بروفات مسرحية روميو وجولييت ..هنا في كواليس هذا المسرح لعبت مع لطفي دق طاولة وغلبته؛ جعلته ينام تلك الليلة حافيا(يضحك الجميع).
عبدو: كان دق طاولة لا ينسى ..
لطفي: الحظ كان مع الأستاذ ..الزهر خذلني تلك الليلة (يضحك) يا إلهي كم كانت أياماً جميلة..نخرج من المسرح ونذهب أنا وعبدو وحمدو وغسان نسهر في مقهى الحارة؛ نلعب الشدة أو طاولة الزهر؛ ثم نذهب ونتعشى في بيت أحدنا.
المؤلف: (يضحك) الله على تلك الأيام..هل تذكرون يوم أخذتموني معكم لعرس ابن سيفو الحلوانجي..أخذتنا الحالة في الدبكة وكان حمدو على رأس الدبكة.
المندوب: (بانزعاح) أرى أنكم عدتم أحبابا وأصحابا.لك نسيتم أنكم الآن أعداء.
حمدو: لا لم ننس ..لك كيف هكذا انسجمنا كأيام زمان..لا....الموت ولا المذلة.
غسان: وأنت قلتها أيها العميل..الموت ولا المذلة.
حامد: وماذا عني أيها السادة؟ (بانفعال شديد) الآن استوعبت أنكم أعداء جاء بعضكم من الحارة الشمالية والبعض جاء من الحارة الجنوبية ؛ والآن تيقنت أنكم كلكم اشتركتم بقتل جاري وأفراد أسرته وكنتم سبب تشريدي مع أسرتي بعد أن هدمتم بقذائفكم بيتي..آه لو تعرفون كم تعذبنا بسببكم..ذهبت للحارة الشرقية لأستأجر بيتا ففوجئت بأسعار إيجار البيوت قد تضاعف خمسة أضعاف.؛ فأخذت أسرتي نطلب ضمنا لخيم اللاجئين في إحدى دول الجوار؛ لكن على حدود كل دولة كانوا يهينوننا ويرفضون إدخالنا بحجة أن الخيام المنصوبة للاجئين قد امتلأت؛ وكلهم على الحدود كانوا يعاملوننا معاملة مهينة قائلين أننا من بلاد الحرب؛ عدت لحارتي عسى أن أتمكن من إعادة بناء بيتي فألقت شرطة ذلك الحي القبض علي لأني كما وصفوني تخاذلت وهربت..بعد أن أطلقوا سراحي جئنا للحارة الأخرى فاعتقلتني شرطة الحي لأني ذهبت للحي المعادي لهم..لك ياناس..أنا ابن هذه المدينة..كل أحيائها عشت وعملت فيها ولي في كل حي أقارب ولكن لم أعد أستطيع زيارتهم ؛ فأنا إذا ذهبت للحي الذي أعيش فيه متهم من مسلحي ذلك الحي؛ وإذا جئت للحي الآخر يتم اعتقالي لأني من الحي الآخر...كل ما أحلم به الآن خيمة في دولة من دول اللجوء تضمني مع أسرتي..سأترك لكم الوطن كما تركه الملايين قبلي لتستمروا في تدميره (ينهار باكيا) هذا إذا بقي فيه شيء غير مدمر.(ببكاء شديد) ياحيف ياحيف..نحن الذين اشتهرنا في كل العالم بأننا شعب ذكي مبدع مبتكر عامل ..كان الجميع يتسابقون للتعاقد معهم كأطباء ومهندسين وعمال وفنيين..و..و..الآن صاروا يتعاملون معنا بقرف..لك يرفضون حتى دخولنا لبلادهم لأننا من بلد تأكلها الحرب ..في البلد تحترق بيوتنا وفي بلادهم يحرقون خيامنا.. لماذا.. لماذا فعلتم ذلك بنا..لماذا
عبدو: لذلك نحن نحمل السلاح لننتقم لك وللملايين من امثالك الذين تم تهجيرهم وتدمير بيوتهم.
حمدو: بل نحن من ينتقم لكم ولن نهدأ حتى النصر أو الشهادة..( يصرخ) عليهم يانشامى
(يعود غسان وعبدو بسرعة للساتر المكون من الكراسي؛ ويعود حمدو ولطفي لساترهما ويتخذون أوضاعاً قتالية)
لطفي: (يصرخ بتهديد من وراء الساتر) سننهي وجودكم أيها القتلة.. سنسحقكم.. الموت ولا المذلة.
المندوب: (بفرح)أحسنتم ..هكذا يكون حب الوطن..لاتوفروا سلاحاً إلا واستخدموه من أجل الوطن..اضربوا جرار الغاز.. الهاونات.. مدافع جهنم.. الصواريخ.. هكذا يجب أن تجري أحداث هذه المسرحية..
المخرج: أية مسرحية(بمرارة) لم نعد نعرف مؤلفها لأن عشرات المؤلفين تدخلوا في التأليف.. وأنا لاعلاقة لي بإخراجها لأن المخرجين الحقيقيين يخرجونها من خارج الوطن..والممثلون زجوا بأداء أدوار صاروا يعرفون الآن أنهم ما كان يجب أن يؤدوها (ببكاء) أرجوكم جميعاً .. أتوسل إليكم.. أوقفوا هذه المسرحية..تعالوا جميعا إلى وسط خشبة المسرح وتحاوروا كأبناء حارة واحدة..أرجوكم تعالوا بلا سلاح وتحاوروا حتى يأتي الجمهور مطمئنا ويشاهد مسرحية جديدة لادماء ولا تدمير ولا تهجير ولا خراب فيها.. أرجوكم.. أرجوكم.
حمدو: (من وراء الساتر) الموت ولا المذلة...خذوا أيها العملاء.
(يطلق من بارودته- إظلام وإنارة متتابعة مع أصوات انفجارات وإطلاق رصاص- إنارة فيظهر حمدو وغسان وعبدو ولطفي والمؤلف والمخرج ومدير الإنتاج مبعثرين كقتلى في أرجاء المسرح).
المنتج: (بفرح) إنه فعلا نجاح كبير في الإنتاج المسرحي..هكذا يكون الإنتاج.
المندوب: (بإعجاب) إنتاج جيد فعلا..هذا يعزز ثقة الشركات بكم وسوف تزيد من إنتاجها وإعلاناتها في الفصول التالية من هذه المسرحية والمسرحيات القادمة التي سيتم إنتاجها على نفس مسار هذه المسرحية.. دم.. قتل... تهجير... لاجئون منبوذون.. يتامى.. أرامل... ثكالى.. هكذا يكون المسرح في زمن الحرب أو لا يكون..
(تتصاعد أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص - إظلام)
انتهت