شتان بين من يكتب عن قامة أدبية لها بصماتها في ميدان الأدب والثقافة وذلك من خلال آثارها أو القراءة عنها أو ما سمعه حولها.. وبين من يكتب عن الشخصية الأدبية نفسها وقد عاصرها ما يربو على عقد من الزمن، بل لازمها وعمل معها تحت سقف واحد وفي مكتب واحد ما يربو على خمس سنوات.
فالمرحوم بإذن الله - الأديب سليمان الحزامي- عرفته أديباً ملازماً الحضور اليومي في رابطة الأدباء حيث نؤدي صلاتي المغرب والعشاء معاً وأحياناً يزورنا في مركز مجلة البيان لنشر مقالة أو قصة أو مجرد زيارة عابرة، وكان حريصاً على مجلة البيان ودائماً يردد بأن "مجلة البيان هي واجهة الكويت وسنعمل على جعلها إشراقة مضيئة تتشرف بها الكويت والكويتيون".
ودارت الأيام ورُشح لشغل منصب رئيس تحريرها، وكان له ما أراد.. ومن هنا بدأت معاصرتي الحقيقية وملازمتي له، كونه أصبح مديري في العمل، وصرنا نلتقي يومياً إلا ما ندر، وعلى مدى خمس سنوات تقريباً، نقضي ساعات العمل في مكتب واحد، وقد نتفق أو نختلف كحال الرؤساء والمرؤوسين ولكن - والحق يقال- كان مثالاً يحتذى به في الالتزام بالحضور المبكر والإخلاص في العمل، وقد كان خبرة لا تجارى في الحياة وفي مختلف المجالات، اكتسبها من خلال مشواره الطويل وتنقله من وظيفة إلى أخرى، فعلومه متعددة وقراءاته متنوعة وإطلاعه واسع، ولديه القدرة في المناقشة حول أي موضوع يُطرح سواء كان أدبياً أو علمياً أو طبياً أو اجتماعياً، بل كان يناقشني في تخصصي في اللغة العربية وفي مجالات دقيقة في النحو وكنت حذراً في مناقشته، ولنقل مجادلته، فهو واثق مما يقول، وقد استفدت من مناقشاته في إثراء معلوماتي وبمختلف المجالات.
وليس ما ذكرته غريباً فهو الأديب والمؤلف والمسرحي والناقد، فقد عشق المسرح فأبدع ودخل مجال الإعلام فأجاد، حيث يمتلك قدرة عالية في الحوار والإقناع، سريع البدهية ثاقب الرؤية.
تنقل في الوظائف من معلم تربية موسيقية في وزارة التربية إلى موجه فني في النشاط المدرسي ثم مراقب النشاط المدرسي ثم مدير مكتب التنسيق والمتابعة في وزارة التعليم العالي للمعاهد الفنية ومستشار سلسلة إبداعات عالمية في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وعضو لجنة رقابة الكتب في وزارة الإعلام وأخيراً رئيس تحرير مجلة البيان.
حبه للحياة دفعه لمواصلة العمل رغم فقدانه لبصره في السنوات الأخيرة، فكان مثالاً في الكفاح وقَهْرِ المرض، فلم يستسلم كغيره ممن ابتلاهم الله بفقدان حبيبتيهم، فتسلم رئاسة تحرير مجلة البيان ويحذوه الأمل في التطوير والارتقاء بها وبالحدود الممكنة، وقد أعلن في افتتاحية أول عدد يصدر بعد استلامه العدد 476، مارس، 2010 حيث قال: "نستحدث زاوية توثق حياة عدد من رواد الرابطة كالأمناء السابقين وغيرهم من رجال الفكر والأدب في الكويت" وبالفعل تم ترشيح عدد لا بأس به وزينت أعداد كثيرة من مجلة البيان بصور هؤلاء الرجال وفي الداخل ملف خاص بهم يتناول سيرتهم الأدبية.
وكان، يرحمه الله، له الأمل الكبير أن يبلغ ويحتفل باليوبيل الذهبي لمجلة البيان إلا أن مشيئة الله كانت أسرع وقال في هذا الشأن في العدد 527 يونيو:
"يسعدنا أن نبدأ التحضير للعدد الخمسيني من مجلة البيان منذ اليوم وحتى موعد الاحتفال بصدور العدد الذي يكمل السنة الخمسين من عمر البيان المديد".
وقال أيضاً:
"في هذه المناسبة لزاماً علينا في رابطة الأدباء وفي مجلة البيان- تحديداً- أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير لوزير الإعلام لدعمه مجلة البيان بالصدور ملونة الصفحات حتى تكتمل صورة المجلة مع لغة العصر.. سائلين المولى عز وجل أن يمد في عمر البيان لخدمة الثقافة العربية والكويتية بشكل عام".
وقد كانت مجلة البيان البوابة التي يعبر من خلالها ما يجيش بداخله من أفكار وأمنيات والمتتبع لافتتاحيات البيان يجد جرأة في الطرح وفلسفة في مجالات شتى.. فقد كان - يرحمه الله- له موقف من فلسفة التكريم حيث يرى أن التكريم في الحياة هو أجمل معاني التكريم فيقول في هذا الشأن في افتتاحية العدد -484- نوفمبر:
"التكريم حلقة من حلقات الحياة.. ولاشك أن أفضل أنواع التكريم ما يناله الإنسان وهو على قيد الحياة، فعندما يكرم وهو بين أحبائه وأبناء مجتمعه فإن وَقْعَ هذا التكريم يكون أكبر بكثير مما لو كان بعد وفاته .. والسبب أنه يعيش حالة التكريم ويتعامل معها، وقد يكون هذا التكريم مفتاحاً لإبداع أكبر وأوسع".
وكما أسلفنا، فهو لا يرى التكريم منصفاً بعد الوفاة؛ إنما التكريم المفيد يكون في الحياة، وبحسب وجهة نظره، أن ذلك أدعى للإبداع والتحفيز على الإنتاج.
والتكريم عند "الحزامي" يرحمه الله، لا يقف عند الأدباء والشعراء ويقول في هذا الشأن: "إن التكريم جزء تقدمه الشعوب لروادها.. ولا يقتصر على كوكبة الأدباء والشعراء ولكن من الممكن أن يمتد إلى رجال خدموا هذا الوطن بمجالات شتى كالتعليم والثقافة والعلوم الإنسانية والطبية" وقد كلفني أكثر من مرة بإجراء لقاءات أدبية مع شخصيات يراها قد خدمت الساحة الأدبية والثقافية بعلومها ودعمها المتواصل، ليكون هذا اللقاء رافداً لملف شخصية العدد المختارة، وأذكر منهم د. سهام الفريح، ود. محمد الرميحي وأ. جاسم السداح.
وفي افتتاحية العدد 503 يونيو يقول:
"انتهجنا هذا النهج - التكريم- من باب التعريف لأبناء هذا الجيل بأساتذتهم وشعرائهم وأدبائهم من المفكرين الكويتيين السابقين لعصرهم - عصر الشباب- وقد لاقت هذه الفكرة قبولاً لدى الكثير من القراء" و"من باب الوفاء لأولئك المبدعين نهجنا أن نعطيهم شيئاً من التكريم بأن نزين مجلة البيان بصورهم وسيرهم وهي المجلة المتخصصة برعاية الأدب والأدباء والتي تصدر عن رابطة الأدباء الكويتيين" و"من باب التكريم أن نكرس دور هؤلاء الأدباء مثل سعود الزيد، عبدالله العتيبي، عبد الله الحسين، خليفة الوقيان وغيرهم ممن رفعوا راية الأدب الكويتي".
ويعتب على صناع القرار ورابطة الأدباء تحديداً أن تكرم المبدعين من رجال ونساء هذا البلد الطيب ليستمر المبدع في إبداعه والعالِم في إنتاجه وبحوثه ودراساته وأن لا يكون الموت هو الحد الفاصل بين التكريم أو عدمه.
كما يدعو إلى "التفاعل مع ثقافة التكريم وألا نغفل عن تكريم من ترك بصمة في حياة المجتمع الكويتي، وذلك في إطار ثوابت تعطي الحق لصانع القرار أن يكرم هذا الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة".. كما يرى بأن "التكريم المبنى على الجوائز هو تكريم محدود، والتكريم الحقيقي مَنْ يُكرّم في تخليد اسمه على إحدى مرافق الدولة.
ومن باب الطرافة ذكر أن "أحد صناع القرار في لندن صادف عامل نظافة في أحد شوارع لندن كان مستيقظاً مبكراً وأدى عمله على أكمل وجه فعمد إلى تكريمه.. وهذه بلا شك فلسفة العمل في الدين الإسلامي "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه".
رؤيته في الثقافة
لا شك أن الأديب سليمان الحزامي-يرحمه الله- مثقف بامتياز، فخبرته الطويلة في الحياة وتنوع قراءاته وسعة اطلاعه، كل هذا وغيره أهّله ليكون أديباً مثقفاً واثقاً من نفسه ومتمكناً مما يقول ومحباً للقراءة، بل يدعو إليها دائماً، وكثيراً ما يلوم وزارة التربية؛ لأنها لم تفعّل حصة القراءة الحرة والمطالعة في المدارس، مما يترك فجوة لا يستهان بها بين الطالب والكتاب، ويقول في العدد 527/يونيو "علينا أن نعمل على نشر هواية القراءة المباشرة ونعود إلى تلخيص بعض الكتب كواجب مدرسي حتى لا تختفي الصلة بين الطالب والكتاب.. والدعوة إلى مسابقات تشرف عليها وزارة التربية والمجلس الوطني لتبقى العلاقة الحميمة بين الإنسان والكتاب" ومن وجهة نظره أن "الثقافة صناعة تحويلية وليست ترفيهية، فهي تقوم على التغيير من الأسوأ إلى الأفضل، وأن الثقافة عملية صعبة والأصعب منها بناء المثقف الذي يؤمن بأن ثقافة الشعوب هي المستقبل".
وقد دعا إلى مد الجسور الثقافية بين الشعوب العربية، وقال في هذا الشأن في افتتاحية العد 477/ أبريل:
"نحن في رابطة الأدباء نطالب بمزيد من الرعاية الثقافية للأديب العربي في أي قطر؛ لأن ما تبنيه الجسور الثقافية بين الشعوب العربية هي أثمن بكثير من أي جسور أخرى، فالثقافة تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم" و"في العدد 482/ سبتمبر قال:
"فكرنا في البيان وبدعم من رابطة الأدباء التي تصدر البيان باسمها أن نقدم أعداداً تذكارية لعدد من الرواد الذين أسسوا وبنوا الثقافة والحضارة في الكويت وسوف نصدر العدد التذكاري الأول للأستاذ أحمد السقاف الأديب والشاعر والمؤسس الثقافي.
الحزامي .. ومنتدى المبدعين
كان- يرحمه الله- من المؤيدين لفكرة تأسيس منتدى المبدعين في الرابطة بل من المشجعين والمتابعين لفعاليات المنتدى، وكثيراً ما أراه يجلس بينهم ويستمع لهم ويوجههم بخبرته الطويلة.. وكان يراهم أدباء المستقبل.. وفي هذا الشأن يقول في العدد 494 سبتمبر.
"الرابطة لا تألو جهداً في احتضان الأقلام الشابة وتقديم كل عوامل التشجيع والمنافسة الشريفة للوصول إلى مستوى راق من الأدب بمدارسه المختلفة .. وإن الخبرات الأدبية الكويتية الموجودة في الرابطة تقوم بالتواصل مع الأجيال الجديدة من الأدباء من منطلق التوجيه والتشجيع، والدافع هو الإيمان بأنه "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك" فهؤلاء الشباب سيكونون في يوم قادم رعاة الأدب في الكويت كما كان أسلافهم المؤسسين والأجيال التي جاءت بعدهم".
الحزامي .. وطلبة الجامعة ومدارس الوزارة
- كان - يرحمه الله- محباً للمسرح ويرتاح نفسياً أثناء مدارسته لمسرحياته مع الآخرين وقد كانت مجموعة من طلبة جامعة الكويت يزورونه في مكتبة - مجلة البيان- ويجلس معهم ويناقشهم ويعطيهم عصارة خبرته حول كيفية التعاطي مع مسرحياته إلقاءً وتمثيلاً وبأسلوب شائق ومبسط.. وكان الطلبة يتفاعلون مع الموقف ويأخذون بتوجيهاته ويخرجون وهم في غاية السعادة بأنهم جلسوا مع المؤلف نفسه وتعلموا منه ما ينفعهم في تحصيلهم الدراسي.
وكذلك الحال مع طلبة مدارس الوزارة فهو لا يتأخر في تلبية أي دعوة للمشاركة في الأصبوحة التي تقيمها المدارس وبمختلف المراحل وذلك رغبة منه في نشر العلم والثقافة وحب القراءة في نفوس أبناء الكويت، فهو يرى أن القراءة أساس التقدم والحضارة، وأمة لا تقرأ لا حضارة لها. وكثيراً ما كان يصطحب زميلي عبد الحميد للمشاركة في الندوات الثقافية والصالونات الأدبية رغم معاناته من فقدان بصره.
الحزامي .. وبرنامج "همس القلم"
كان - يرحمه الله- إذاعياً ناجحاً ومحاوراً مقتدراً فأوجد لنفسه برنامجاً يخدم من خلاله أجيالاً متواصلة وقد أبدع في تسميته "همس القلم" فالتقى من خلاله ضيوفه من مختلف المستويات والمجالات الأدبية ووثق رؤاهم ونتاجهم في خزانة الإعلام.
وكان، يرحمه الله، رغم فقدانه لبصره في السنوات الأخيرة يلتقي بضيوفه من رواد الرابطة ويناقشهم في مؤلفاتهم ويعرض عليهم تسجيل حلقة لهم في برنامجه "همس القلم" فمنهم من يراها فرصة للظهور إعلامياً ويوافق على طلبه ومنهم من يتردد ومنهم من يعتذر لأسباب خاصة بهم.. فيتفق مع من أبدى استعداده للمقابلة وفعلاً يتم اللقاء بحسب الموعد المحدد.. وغالباً ما يتم تسجيل الحلقة الإذاعية داخل مبنى الرابطة.. ورغم فقدانه لبصره يطلب من الضيف نسخة من مؤلفه وقد يقرؤه عليه أحد ما ثم يستنبط منه أسئلته التي يراها مفيدة للمستمع وقد تتوالد الأسئلة من خلال اللقاء ويتعمق في الحوار معتمداً على سرعة البديهة وحضور الذهن، فهو كما عرفته يجيد فن الحوار بكل اقتدار وهذا ما يؤكد سعة اطلاعه وتنوع قراءاته، وهذا كله يُحسب له، فبالإضافة إلى هذا البرنامج المهم، هناك برنامج أوائل الطلبة وذكريات وندوة الأسبوع وغيرها، فهو ليس قامة أدبية فحسب، بل قامة إعلامية يشهد لها من عاصره في ميدان الإعلام.
الحزامي.. والقصة
إضافة إلى أنه - يرحمه الله - مسرحي بامتياز إلا أن له نصيباً في الأدب القصصي، وبداياته مع هذا الفن تبدأ من أوائل السبعينات حيث قيل أنه نشر أول قصة له في مجلة البيان عام 1972.. ومن خلال عملي معه في مجال التدقيق اللغوي لهذه المجلة العريقة، فقد نشر عدداً لا بأس به من القصص والتي تدور معظم أحداثها حول المرأة، حيث شغله موضوعها كثيراً.
والجدير بالذكر ان أديبنا - رحمه الله- عاشق للكتابة، وكان يكتب متى ما رأى هناك إلهاماً للكتابة، وكان يقضي معظم وقته في المجلة يكتب في مجال المقالة/ القصة/ المسرحية، وكان زميلي القائم على تنضيد المجلة عبد الحميد باشا ملازماً له، ويكتب ما يمليه عليه مما ذكر. وأحياناً فجأة يطلب منه الكتابة وكأن الإلهام قد حضر، وقد يتصل به خارج أوقات الدوام ليطلب منه أن يذكره بفكرة ما خطرت بباله حتى لا تهرب من رأسه.
وأود أن أنوه في هذا الموقف أنه كان يكتب ولمرة واحدة ولا يراجع ما كتبه من مقالات وقصص ومسرحيات كما يفعل غيره بالتهذيب والتنقيح.
والجدير بالذكر أيضاً أنه كان يكتب ويحتفظ بما يكتبه أحياناً لغاية في نفس يعقوب ولازالت بعضاً من مقالاته لم تجد طريقها إلى النشر لأن مشيئة الله لم ترد ذلك.. ومن باب الوفاء قمنا باختيار مقالة (لكل شيء ثمن) لنشرها في ملف هذا العدد. ويعني بالعنوان ضريبة النجاح وموقف الآخرين منه.
الجزء الرابع .. من أعماله المسرحية الكاملة
أقدم الأديب سليمان الحزامي- يرحمه الله- على إعادة طباعة أعماله المسرحية الكاملة قبل وفاته بقليل وبالتحديد 2011م، وذلك في أربعة أجزاء وكل جزء يتضمن ثلاث مسرحيات تقريباً.
أما الأجزاء (الأول والثاني والثالث) فهي تتضمن أعماله المسرحية التي اشتهر بها ونال عليها الجوائز، وقد مُثّل بعضها على خشبة المسرح، بل وترجم بعضها إلى لغات أجنبية وقد تناولها الباحثون وناقشوها وحصلوا خلالها على درجات علمية عالية، وهذا معروف لدى كل من عرف وعاصر أديبنا الراحل يرحمه الله.
ولكن، ما أود الإشارة إليه أن الجزء الرابع أضيف إلى مجموعته في طبعته الأولى وليس معاداً، بل طبع متأخراً مع أعماله المسرحية الكاملة، إلا أن هذا الجزء المضاف لم يأخذ حقه في الدراسة والبحث وهو الذي يضم ثلاث مسرحيات موسومة بـ (حتى نعيش/ القذرون/ روكسلانة).
أما مسرحيتا (حتى نعيش/ القذرون) فكانتا حبيستا الأدراج ومكتوبتان بقلم الرصاص وعلى أوراق مهترئة تعود للستينات من القرن الماضي وقد طلب مني ومن زملائي في الرابطة (عبد الحميد باشا- محمد عبد الله) مساعدته في إخراجهما للنور وحصل ما أراد.
أما المسرحية الثالثة والأخيرة له هي (روكسلانة) فكان يمليها على زميلي (عبد الحميد) وكنت أسمع ما يملي وأتعجب من قدرته وتمكنه من ربط المشاهد والفصول وتتابع الأحداث فيها، فكانت -والحق يقال - مسرحية شائقة وفيها إسقاطات على الواقع ممتعة ومن يقرؤها سيجد التاريخ والمتعة معاً بين صفحاتها.
وقد أنصفنا- يرحمه الله- نحن الثلاثة- بأن جعل الإهداء باسمنا لوقوفنا معه حتى رأت هذه المسرحيات الثلاث النور وكتب في الإهداء:
"إلى كل من الإخوة الأساتذة: خليل السلامة، محمد محمد عبد الله، عبد الحميد سمير باشا.
إهداء خاص مؤطر بالتقدير والاحترام لسنوات قرؤوا عنها ولم يعاصروها.
أهدي هذا العمل لأنني وجدت في هؤلاء الأساتذة أشياء من الخوف من المستقبل القادم لهذه الأمة".
وسأورد للقارئ الكريم ما قاله المؤلف في مقدمته عن هذه المسرحيات الثلاث حيث يقول:
"أخيراً ها هو الجزء الرابع من الأعمال الكاملة لكاتب هذه السطور يخرج إلى النور وهو يضم ثلاث مسرحيات، الأولى"حتى نعيش" وقد كتبها المؤلف عام 1968 والثانية "القذرون" كتبها المؤلف عام 1969 وهذه التواريخ موجودة على مخطوط كل مسرحية من المسرحيتين الآنفتي الذكر.
أما المسرحية الثالثة وهي "روكسلانة" فقد كتبها المؤلف عام 2006، والسؤال: لماذا تأخر نشر هذه الأعمال؟ فيما يتعلق بالعمل الأول والثاني فقد كان يحتاج لشيء من المراجعة وإعادة الكتابة وهذا ما حدث حتى تتلاءم وروح العصر؛ أما مسرحية روكسلانة فقد تعرض المؤلف لإصابة في عينيه مما اضطره للسفر خارج البلاد للعلاج لأكثر من مرة وترتب على ذلك التأخير في نشر هذه المسرحية.
ومسرحية روكسلانه تحكي عن فترة مهمة جداً من تاريخ الدولة العثمانية أثناء حكم السلطان سليمان القانوني، وكيف أن هذه المرأة "روكسلانة" كانت المعول الأساسي والمسمار الأول في نعش سقوط الدولة العثمانية- في نظر المؤلف.
روكسلانة امرأة من نار أطلق عليها اسم الساحرة روكسلانة ومهما حازت من الألقاب فهي امرأة تمثل الشر القائم على تحطيم الآخرين.
وفي النهاية لابد من كلمة نرفعها إلى الأستاذ المربى والدبلوماسي المعروف الأستاذ محمد جاسم السداح على دعمه المتواصل للثقافة العربية والكويتية والذي يؤكد على أن الثقافة فعل وليس ادعاء فيما يقوم به من أعمال في تشجيع الشباب في طرح إنتاجهم وخروجه للعالم.
كذلك لابد من أن أشكر الأساتذة: خليل محمد السلامة، ومحمد عبد الله، وعبد الحميد باشا على مساعدتهم لي في إنجاز هذه الأعمال.
وأخيراً أترك هذه الأعمال لمن يرى فيها شيئاً من تقلب حياة الإنسان.
سليمان الحزامي 1/9/2010م.
الحزامي.. و"أولاد حارتنا"
للأديب سليمان الحزامي-يرحمه الله- رؤية ثاقبة جعلته من المبدعين الأوائل في مجال المسرح وقد ألّف قبل وفاته بقليل كتاباً موسوماً بـ (أولاد حارتنا- بين الواقعية والعبثية) حيث تناول رواية نجيب محفوظ الشهيرة من جانب آخر غير الذي طرقه النقاد من قبله، وهو الجانب العبثي، وقد أملاه كاملاً على زميلي عبد الحميد، ومن ثم تناولته مدققاً ورابطاً لأفكاره، والحق يقال كان يملي ولا يسترجع أو يعدل في أفكاره حتى انتهى منه وانتهينا معه بالطباعة والتدقيق، وقد عمد إلى نشره في مجلة البيان على ست حلقات بدءاً من رقم العدد 515 وانتهاء برقم العدد 520 - أما مضمون هذه الدراسة فلا يحق لي أن أتحدث أكثر مما قاله نفسه في ختام آخر حلقة منها حيث يقول:
"إن أحداث الرواية تدور في عهد الإسلام، والإسلام دين النظافة للنفس والمكان ولكن الطرح العبثي جاء خلاف ذلك، فالمكان مليء بالقاذورات والفئران والقطط وأكوام النفايات، والأطفال عرايا في أحياء (الجبل/ رفاعة/قاسم).. فالحارة المصرية عبثية بكل المقاييس، فلا نظافة ولا مياه بل مقاهٍ وشيشة وحشيش وكل الموبقات..
وهذا بعيد عن المجتمع المصري، وهو بذلك قد أجرم بحقه مكاناً وشخصيةً وأحداثاً وزماناً" ويضيف: "إن هذه الدراسة هي محاولة على الطريق للتعرف على فكر عملاق الرواية العربية نجيب محفوظ".
والجدير بالذكر أنه قبل وفاته - يرحمه الله- طلب مواد هذه الدراسة على (قرص مدمج) بقصد نشرها في كتاب موسوم بـ "أولاد حارتنا- بين الواقعية والعبثية".
والسؤال: هل أقدم فعلاً على طباعته أم لازال حبيس الأدراج ينتظر ممن يهتمون بأدبه وأعماله للخروج به إلى النور.. علماً أنه قد تسلم منا البروفات والمسودات في ظرف خاص باسمه ليحتفظ به، وذلك بناء على طلبه.
رحمك الله يا أبا فواز فقد أثريت المكتبة العربية والكويتية بمؤلفاتك.. جعلها الله في ميزان أعمالك.