مجلة البيان

عزم.. الحزامي

من أصعب المقالات التي أكتبها، هي هذه المقالة ، فلمدة أسبوع كامل أجلس أمام " الكمبيوتر" وتتوقف أصابعي عن الطرق على مفاتيح اللوحة، فالعقل يعجز أن يعبر عما يدور به من فكر والقلب يعتصر ألما على رحيل رجل صادق صدوق محب للخير مؤنس لصحبه منيرا لبيته راعيا لأبنائه مخلصا لعمله ، كلما دخلت عليه مكتبه وجدت من يستشيره سواء طالب أو أديب , وإذا ما دخلت عليه في بيته وجدت صديقا أو أكثر , لم أعلم المعنى الكامل لمصطلح دمث الخلق حتى التقيت به، ففي تصرفاته يكمن المعنى الكامل لهذا المصطلح وتكاد تجده متجسداً.

        لا زالت نظرات عينيه عالقة في مقلتي تثير حزني وألمي منذ أن غادرت منزله في تلك الليلة ، فحينما صافحته مودعا له لسفري الطويل رفع رأسه إلي وفتح عينه بشكل يوحي وكأنه يراني.

        صديقي وبمثابة أخي الأكبر سليمان داود الحزامي، التقيت به صدفة والصدفة خير من ألف ميعاد ، كنت في زيارة لديوانية رابطة الأدباء وتحدثت مع الحاضرين من الأدباء ودار الحديث عن كتابي "جمان الكويت" فطلب مني أخي سليمان نسخة وهو الكفيف بسبب تداعيات مرض السكر، وخلال عدة أيام اتصل بي طالبا مني أن يستضيفني في برنامجه "همس القلم" وما إن حضرت لموعد التسجيل وبدأنا التسجيل حتى وجدت هامة إعلامية كبرى من إعلامي الكويت الرائدين ، فرغم أن الراحل كفيف إلا أنه كان ملما بكل ماجاء في كتابي عالما أين نقاط القوة وأين نقاط الضعف ، وحاورني بدون أن تكون أمامه أي ورقة للأسئلة فكيف تكون وهو الكفيف؟ وحاورني بذهن متفتح يستمع لإجابتي ويختار السؤال التالي متوافقاً ومتسلسلاً معها، فالأديب والإعلامي الراحل سليمان الحزامي كان يمتاز بمثابرته وأمانته في عمله وامتاز بحاضرة الذهن حيث يستوعب محدثه مهما كان شأنه أو شأن الموضوع ، وهذا يرجع لسعة اطلاعة وتنوع قراءاته ودقة إختياراته.

        حين عملت على تأسيس "منتدى قلمي" وهو منتدى يهتم بالمؤلف والإعلامي والكاتب الكويتي، وجدت كل عون ومساعدة من (أبو فواز) رحمه الله ولم يبخل بوقته علي، وكان حريصا على أن يخرج المنتدى بالشكل المناسب والملائم للكاتب الكويتي، وضمن هذا العمل توطدت العلاقة أكثر فأكثر، وانضممت لديوانية الضحى في بيته وكانت مجالاً خصباً للحديث الجاد والممتع والمتنوع في أحداث الساعة المحلية والعربية والعالمية ، فديوان الضحى ببيت الفقيد يذكرني بدواوين الكويت في السبعينات حيث الحوار الجاد والصادق بين رواد الديوانية والذي قد يصل اختلاف الآراء به إلى التضاد ولكن تستمر العلاقة الأخوية والمحبة والاحترام بين رواد الديوانية ، ديوانيات السبعينات والثمانينات اختفت من الكويت وتم استبدالها بديوانية اشرب شايك وقهوتك واكل الحلوى والرهش واضحك وجامل واخبص الجنجفة ولاتكثر سوالف ، لكن ديوانية الضحى عند الأديب الراحل سليمان الحزامي تعبق برحيق الماضي الكويتي الأصيل فللكل الحق بأن يقول رأيه وللكل الحق في أن يناقش ويمحص هذا الرأي بكل صراحة واحترام وبدون أي تعدٍ وبدون أي زعل ، رحمه الله كان رجلاً من الماضي العريق في زمننا ومن الصعب جدا على الكويت أن تعوض بمثله، فهو الأديب والمؤلف والناقد المسرحي وعضو رابطة الأدباء ومدير تحرير مجلة البيان سابقاً، ومطور سلسلة المسرح العالمي وصاحب برامج
عديدة أهمها برنامج " همس القلم " والمدرس السابق ومدير البعثات السابق في وزارة التعليم العالي وغيرها من مواقع عمل بها فأثراها وطورها فقيد الكويت الراحل أخي وصديقي سليمان داود الحزامي طيب الله ثراه ، فمجالسته وهو حي متعة للعقل والقلب والسمع والعين ، وذكراه - بعد أن رحل إلى بارئه - عطرة تمدنا بالسعادة النفسية والقوة المعنوية ، رحمك الله " أبا فواز " وأسأل الله أن يجعلك من الفائزين بلقاء سيد الخلق حبيبنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

        وفي الختام أتمنى من رابطة الأدباء أن تسعى إلى إطلاق اسم الراحل على إحدى مدارس الكويت وبجانب بيت المرحوم بإذن الله، لعل أبناء الكويت من طلاب المدرسة يستفيدون من سيرة الراحل فيقلدون مسيرته الزاخرة المعطاء ، وعسى المستقبل الكويتي أن يضيء بأكثر من سليمان الحزامي.